تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تأتي أهمية الاعتناء بالاصطلاحات العقدية ـ كالإيمان والكفر والنفاق ... ـ لأنها مما جاء في وحي الله (عز وجل) فلها حرمتها؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): (ومن الأصول الكلية أن يُعْلَم أن الألفاظ نوعان: نوع جاء به الكتاب والسنة فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك، فيثبت ما أثبته الله ورسوله وينفي ما نفاه الله ورسوله، فاللفظ الذي أثبته الله أو نفاه حق؛ فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها، يثبت ما أثبته وينفي ما نفاه من المعاني، فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما أخبر ونطيعه في كل ما أوجب وأمر) (1).

والتعبير عن الحق بالمصطلحات الشرعية هو سبيل أهل السنة والجماعة؛ قال ابن أبي العز الحنفي ـ شارح الطحاوية ـ (رحمه الله): (والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة) (2).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): ( .. والتعبير عن حقائق الإيمان بعبارات القرآن أولى من التعبير عنها بغيرها، فإن ألفاظ القرآن يجب الإيمان بها، وهي تنزيل من حكيم حميد، والأمة متفقة عليها، ويجب الإقرار بمضمونها قبل أن تفهم، وفيها من الحِكَم والمعاني مالا ينقضي عجائبه. والألفاظ المحدثة فيها إجمال واشتباه ونزاع، ثم قد يجعل اللفظ حجة بمجرده ـ وليس هو قول الرسول الصادق المصدوق ـ، وقد يضطرب في معناه، وهذا أمر يعرفه من جربه من كلام الناس، فالاعتصام بحبل الله يكون بالاعتصام بالقرآن والإسلام؛ كما قال (تعالى): ((واعتصموا بحبل الله جميعاً)) [آل عمران: 103] ومتى ذكرت ألفاظ القرآن والحديث وبين معناها بياناً شافياً: فإنها لا تنتظم ـ فقط ـ جميع ما يقوله الناس من المعاني الصحيحة، بل فيها زيادات عظيمة لا توجد في كلام الناس، وهي محفوظة مما دخل في كلام الناس من الباطل؛ كما قال: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) [الحجر: 9]) (3).

ولابد من توضيح الاصطلاحات للناس حتى لا يلتبس الحق بالباطل، وليس كما فعل الفلاسفة الإسلاميون، فقد سعوا إلى ترويج الفلسفة اليونانية الوثنية بأسماء ومصطلحات شرعية حتى يوجدوا لتلك الفلسفة قبولاً عند الناس تحت هذه الأسماء والمصطلحات الشرعية التي تعظمها نفوس المسلمين؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) فيهم: ( .. ثم إنهم لما سمعوا (أي: الفلاسفة الإسلاميون) كلام الأنبياء أرادوا الجمع بينه وبين أقوالهم، فصاروا يأخذون ألفاظ الأنبياء فيضعونها على معانيهم، ويسمون تلك المعاني بتلك الألفاظ المنقولة عن الأنبياء، ثم يتكلمون ويصنفون الكتب بتلك الألفاظ المأخوذة عن الأنبياء فيظن من لم يعرف مراد الأنبياء ومرادهم أنهم عنوا بها ما عناه الأنبياء، وضل بذلك طوائف (4) مثال ذلك: الملائكة، فهي عندهم: هي العقول العشرة، واللوح المحفوظ: هو النفس الفلكية ... ، إلى غير ذلك.

2 - خطورة الاصطلاحات المجملة التي لم تحدد:

الاصطلاحات المجملة هي اصطلاحات تحمل حقاً وباطلاً وتشتمل على صواب وخطأ، وعدم تحديدها يكون سبباً في وقوع الخلاف والشقاق؛ يقول شيخ الإسلام (رحمه الله): (ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده بها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي، فإن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلاً عن أن يعرف دليله) .. (5)

ويقول ابن القيم (رحمه الله): (فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب) (6).

وهناك فريقان عبر تاريخ الأمة الإسلامية قد تحدثوا بمصطلحات مجملة محدثة، كانت سبباً في ظهور البدع وفشوها بين الناس.

الفريق الأول: الصوفية: فقد كان التصوف في مراحله الأولى قد أكثر فيه من استخدام المصطلحات المجملة التي تحمل حقاً وباطلاً؛ كالغناء مثلاً، فجاء مِن بعدهم مَن تعلق بهذه الاصطلاحات، وأصبح يستدل على مذهبه الفاسد من وحدة الوجود أو سقوط التكاليف بأقوال هؤلاء المشايخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير