تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول ابن تيمية: (الألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها ليثبت ما أثبته، وينفي ما نفاه من المعاني، فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما أخبر، ونطيعه في كل ما أوجب وأمر ... ) (10).

ويقول ابن القيم: (معرفة منازل العبودية ومراتبها من تمام معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، وقد وصف الله تعالى من لم يعرفها بالجهل والنفاق فقال تعالى: ((الأعراب أشد كفراْ ونفاقاْ وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)) [التوبة: 97]، فبمعرفة حدودها دراية، والقيام بها رعاية يستكمل العبد ويكون من أهل إياك نعبد وإياك نستعين) (11).

ويقول أيضاً: (فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود، ولاسيما حدود المشروع المأمور والمنهي، فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود حتى لا يدخل فيها ما ليس منها، ولا يخرج منها ما هو داخل فيها ... ) (12).

ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: (اعلم أن مَنْ تصور حقيقة أي شيء على ما هو عليه في الخارج، وعرف ماهيته بأوصافها الخاصة، عرف ضرورة ما يناقضه ويضاده، وإنما يقع الخفاء بلبس إحدى الحقيقتين، أو بجهل كلا الماهيتين، ومع انتفاء ذلك وحصول التصور التام لهما، لا يخفى ولا يلتبس أحدهما بالآخر، وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة) (13).

مثالان مهمان:

من التنبيهات المهمة في هذا الموضوع: معرفة منشأ النزاع وأصله في أبواب الاعتقاد التي وقع فيها الافتراق، فإن معرفة ذلك يورث فهماً صحيحاً، ويميز المذهب الحق من المذاهب الباطلة، كما يعطي تصوراً صائباً لأقوال المخالفين وأوجه الاتفاق والاختلاف معهم، وأضرب لذلك مثلين: أحدهما مسألة الإيمان فالأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان هو دعوى أن الإيمان حقيقة واحدة لا تتبعض ولا تتجزأ، فمتى ذهب بعضه ذهب كله فلم يبق منه شيء.

يقول ابن تيمية:» وأصل نزاع هذه الفرق في الإيمان من الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم، أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً إذا زال بعضه زال جميعه، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه، فلم يقولوا بذهاب بعضه، وبقاء بعضه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان)» (14) «(15).

والمثال الآخر: أصل الضلال في مسألة القدر هو التسوية بين مشيئة الله تعالى وإرادته، وبين محبته ورضاه، فسوى بينهما الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا، فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوباً مرضياً وقالت القدرية النفاة ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة فهي خارجة عن مشيئته وخلقه (16).

هذا ما تيسر إيراده من معالم وتنبيهات في فهم العقيدة، راجياً من الله تعالى أن يعين على استكمالها، وبالله التوفيق.

هوامش:

(1) صحيح ابن ماجة ج1، ص 48؛ المسند ج2، ح/238؛ وصحيح أبي داود ج2، ص 697، وقال الألباني صحيح.

(2) سير أعلام النبلاء 4/ 259، وجاء في حلية الأولياء (3/ 176) عن محمد بن الحنفية.

(3) أخرجه أحمد والترمذي.

(4) التمهيد لابن عبدالبر 6/ 14.

(5) انظر: كتاب برنامج عملي للمتفقهين، لعبد العزيز القارئ، ص 40.

(6) انظر تفصيل ذلك في مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 312، 327، ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 51، وشرح الطحاوية 1/ 7.

(7) يعني حال الواقفة الذين يقولون: القرآن كلام الله، ويسكتون فلا يقولون مخلوق كالمعتزلة والجهمية ولا يقولون غير مخلوق كأهل السنة، وقد عدهم السلف من الجهمية، بل شر من الجهمية، لما يتضمنه سكوتهم من اللبس والتضليل.

(8) مسائل الإمام أحمد لأبي داود، ص 263.

(9) مجموع الفتاوى 7/ 311.

(10) مجموع الفتاوى 12/ 113.

(11) مدارج السالكين 1/ 140.

(12) الفوائد: 133.

(13) منهاج التأسيس: 13.

(14) البخاري ج1، ص 11، كتاب الإيمان ح/15، مسلم كتاب الإيمان ح/148.

(15) مجموع الفتاوى 7/ 510.

(16) انظر مدارج السالكين 1/ 251، شرح الطحاوية 1/ 324.

Cd مجلة البيان

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير