أما أولاً فهذا خلط بين أنواع الدلالة سبق بيانه. الزوم العقلي من جملة الدلالة الوضعية اللفظية، وليس هو الطريق الوحيد لإثبات دلالة الالتزام الوضعية اللفظية، بل قد يكون طريق إثبات دلالة الاتزام عرفي. وعلى كل الأمر يسير لأنا نقول بالتزام اللازم العقلي الصحيح واللازم العرفي، ولكني أحببت أن أنبه على التقسيم فبسببه وقع الغلط في ثالثاً.
أما ثانياً فليس بشرط، ومبناه على الأول، بل لو سلم بالأول فليس بلازم لأنه ليس كل دليل عقلي قياس، فقولهم الواحد نصف الإثنين حكم عقلي وليس بقياس، وكذلك قولهم بالوجوب والامتناع والإمكان العقلي ليس بقياس في أصله. على أنه لايعني هذا بطلانه فكونه ليس بشرط من أجل ضبط الكلام حتى يكون دقيقاً لا اعتراضاً على وجود نوع من القياس، بل قد يوجد نوع من قياس ولكن ذلك يتوجه في معرفة أصل المعاني لا في معرفة لوازمها فقط.
وأنقل في هذا المعنى شيئاً من مشاركة قديمة من كلام ابن أبي العز في شرح الطحاوية (وهو كلام لشيخ الإسلام نثره في غير موضع) يقول فيه:
"اعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلاّ أن يعرف عينها "
قال حارث الهمام: وهذا يستلزم معرفة الكيف وله طرق ثلاثة ذكرها أهل العلم كلها ممتنعة في حق الله تعالى.
ثم قال الإمام -رحمه الله-: "أو مايناسب عينها ويكون بينهما قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى وإلاّ فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط"
قال حارث الهمام: وهذا هو المعنى المشترك، الذي لاوجود له إلاّ في الذهن عند الإطلاق بغير قيد.
ثم قال العلامة: "وإن كانت المعاني التي يراد تعريفه بها ليست مما أحسه وشهده بعينه ولا بحيث صار له معقول كلي يتناولها حتى يفهم به المراد بتلك الألفاظ، بل هي مما لم يدركه بشيء من حواسه الباطنة والظاهرة، فلا بد في تعريفه من طريق القياس والتمثيل والاعتبار بما بينه وبين معقولات الأمور التي شاهدها من التشابه والتناسب وكلما كان التمثيل أقوى كان البيان أحسن والفهم أكمل".
قال حارث همام: وهذا هو طريق معرفة المعاني المشتركة، وسبيل انتزاعها.
فإذا قال المفوضة أو المأولة أنتم بذلك تقعون في التشبيه نرد عليهم بما قاله شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية:
"وأما قولهم إن أردتم إثبات صفة تقارب الشاهد فيما يستحق مثله الاشتراك في الوصف فهذا هو التشبيه بعينه فنقول لهم المقاربة تقع على وجهين:
أحدهما: مقاربة في الاستحقاق لسبب موجبه التمام والكمال وتنفي النقص.
والثاني: مقاربة في الاستحقاق لسبب تقتضيه الحاجة ويوجبه الحس ومحال أن يراد به الثاني لأن الله تعالى قد ثبت أنه غني غير محتاج ولا يوصف بأنه يحتاج إلى الإحساس لما في ذلك من النقص.
فيبقى الأول وصار هذا كإثبات الصفات الموجبة للكمال ودفع النقص".
قال حارث الهمام: وهذا لا إشكال فيه إذا تقرر أن المعنى المشترك معنى كلي ذهني لاوجود له في الخارج إلاّ مقيداً.
أراني استرسلت ولكن الشاهد من هذا أن مسألة القياس ترد كثيراً عند نقاش الأصول اللغوية، وليست مختصة بلوازمها، ولعلي أتوقف هنا فإن سنحت فرصة أخرى عدت إلى الموضوع، ولعل في الرد الأول كفاية لمن تأمله، وفقكم الله ونفع بكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أحمد المحيل]ــــــــ[19 - 09 - 05, 12:49 ص]ـ
بارك الله فيك يا شيخ حارث همام ونفعنا بعلمك ..
ـ[محمد فوزي الحفناوي]ــــــــ[19 - 09 - 05, 11:49 ص]ـ
السلام عليكم
وفقك الله أخي الفاضل حارث همام وزادك الله علما
وشكرا لك على صبرك وتوضيحك وقد إزددت حبا لمن يهديني
وقد بقيت عندي بعض الملاحظات تعكر صفو كلامك فهل تتحمل- كما قلت- ثقل فهمي
أو تراني قد أثقلت فتوجهني الى مرجع شامل للموضوع
أخوك محمد فوزي
ـ[حارث همام]ــــــــ[19 - 09 - 05, 05:42 م]ـ
أخي الكريم شكر الله لك كلماتك الطيبة، ولست في مقام دعوة وهداية، فصاحبك دون أهل الأولى ولاسيما مع أمثالكم، وحسنُ ظنٍ بك أنت فوق أهل الثانية الذين يخاطبهم مثلي. بل ليس هذا مقام طالب ومتعلم، وإنما هي مباحثة ومدارسة بين طلاب علم، ولن يسوءني تعقيبك -إن شاء الله- يوماً، وإن لم تفهمني أو لم أفهمك فلا حرج طالما أن التجرد وإخلاص النية لرب البرية حاصل فما عليك إلاّ البلاغ.
أما الكتابات الجيدة فكثيرة ولعل كتاب الشيخ العلامة -وهو أحد أئمة هذا العلم في هذا العصر- عبدالرحمن البراك شرح التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية فيه إشارات كافية لبيان أصل مسألتكم.
وكذلك كتاب القواعد المثلى ولاسيما مع شرح الدكتورة الفاضلة كاملة الكواري فإن لها جمعاً جيداً فيه ومن جملة ذلك حديثها عن أقسام الدلالة فقد لخصتها من بطون كتب المناطقة والمتكلمين والأصوليين بصورة ميسرة مفيدة.
ومع هذا فلو طرحتم ما عندكم حول ما ذكر فلعل أحد مشايخ المنتدى يفيدنا، ولعلي إن وجدت علماً ونشاطاً عقبت.
وجزاكم الله خيراً.
¥