تكون سفرًا.
فالسفر يكون بالعمل الذي سمي سفرًا لأجله. والعمل لا يكون إلا في زمان. فإذا طال العمل وزمانه فاحتاج إلى ما يحتاج إليه المسافر من الزاد والمزاد، سمي مسافرًا، وإن لم تكن المسافة بعيدة، وإذا قصر العمل والزمان بحيث لا يحتاج إلى زاد ومزاد، لم يسم سفرًا، وإن بعدت المسافة. فالأصل هو العمل الذي يسمي سفرًا، ولا يكون العمل إلا في زمان، فيعتبر العمل الذي هو سفر. ولا يكون ذلك إلا في مكان يسفر عن الأماكن، وهذا مما يعرفه الناس بعاداتهم، ليس له حد في الشرع ولا اللغة، بل ما سموه سفرًا فهو سفر.).
وقال: (وقد يركب الرجل فرسخا يخرج به لكشف أمر وتكون المسافة أميالاً ويرجع في ساعة أو ساعتين ولا يسمي مسافرًا، وقد يكون غيره في مثل تلك المسافة مسافرًا بأن يسير على الإبل والأقدام سيرًا لا يرجع فيه ذلك اليوم إلى مكانه .. )
وقال في الاختيارات (وتقصر الصلاة في كل ما يسمى سفراً سواء قل أو كثر ولا يتقدر بمدة وهو مذهب الظاهرية ونصره صاحب المغني وسواء كان مباحا أو محرما ونصره ابن عقيل في موضع وقاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد والشافعي ... )
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين2/ 41 (السفر في نفسه قطعة من العذاب، وهو في نفسه مشقة وجهد، ولو كان المسافر من أرْفَه الناس فإنه في مشقة وجَهْد بحسبه، فكان من رحمة الله بعباده وبره بهم أن خفف عنهم شَطَرَ الصلاة واكتفى منهم بالشطر، وخفف عنهم أداء فرض الصوم في السفر، واكتفى منهم بأدائه في الحضَر، كما شرع مثل ذلك في حق المريض والحائض، فلم يفوت عليهم مصلحة العبادة بإسقاطها في السفر جملة، ولم يلزمهم بها في السفر كإلزامهم في الحضر).
وقال (ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض كما أطلق لهم التيمم في كل سفر وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاث فلم يصح عنه شيء البتة) نقلته من السُبُل ..
وقد نصر ابن قدامة هذا القول فقال في المغني (والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه).
وقال (ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجة فيها مع الاختلاف).
قال الشوكاني: (إذا تقرر لك هذا فالمتيقن هو ثلاثة فراسخ لأن حديث أنس متردد ما بينهما وبين ثلاثة أميال والثلاث أميال مندرجة في الثلاث فراسخ فيؤخذ بالأكثر احتياطا)
وقال في السيل الجرار ص 307: (والحاصل أن هذه التقريرات لا تدل على عدم جواز القصر فيما دونها مع كونها محتملة أن يكون قاصداً لسفر هو خلف ذلك أو أن يكون ذلك هو منتهى سفره , فالواجب الرجوع إلى ما يصدق عليه أنه سفر وأن القاصد إليه مسافر ولا ريب أن أهل اللغة يطلقون اسم المسافر على من شد رحله وقصد الخروج من وطنه إلى مكان آخر فهذا يصدق عليه أنه مسافر وأنه ضارب في الأرض ولا يطلقون اسم المسافر على من خرج مثلاً إلى الأمكنة القريبة من بلده لغرض من الأغراض فمن قصد السفر قصد إذا حضرته الصلاة ولو كان في ميل عن بلده وأما نهاية السفر فلم يرد ما يدل على أن السفر الذي يقصر فيه الصلاة هو أن يكون المسافر قاصداً لمقدار كذا من المسافة فما فوقها وقد صح النهي للمرأة أن تسافر بغير محرم ثلاثة أيام وفي رواية مسيرة يوم وليلة وفي رواية أن تسافر بريداً فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك سفراً , وأقله البريد , فكان القصر في البريد واجباً ولكنه لا ينبغي ثبوت القصر فيما دون البريد إلا أن يثبت عند أهل اللغة أو في لسان أهل الشرع أن من قصد دون البريد لا يقال له مسافر)
قال القنوجي صاحب الروضة ص 354 (والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب , لكنه خرج الضرب أي: المشي لغير السفر لما كان يقع منه صلى الله عليه وسلم من الخروم إلى بقيع الغرقد ونحوه ولا يقصر ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شيء فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفراً لغة وشرعاً ومن خرج من بلده قاصداً إلى محل يعد في مسيره إليه مسافراً قصر الصلاة وإن كان ذلك المحل دون البريد).
¥