الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
فالزواج المسمى بزواج المسيار حقيقته زواج استكمل الشروط التي يصح بها عقد النكاح عند جمهور العلماء من اشتراط الولي، ورضا الزوجين، وشاهدي عدل وتعيين الزوجين. وموضع الإشكال في زواج المسيار من ثلاث جهات:
أولاً: اشتراط إسقاط الزوجة بعض ما يجب لها من الحقوق كالنفقة، والقسم في حال التعدد.
ثانياً: عدم إعلان النكاح بل قد يصحبه تواص بكتمانه أو تواطؤ على ذلك.
ثالثاً: فوات كثير من مقاصد النكاح، وظهور بعض المشاكلات الاجتماعية نتيجة انتشار هذا النوع من الزواج في المجتمع.
لهذا وذاك كان للعلماء في حكم زواج المسيار ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن زواج المسيار زواج شرعي جائز، إلا أنه مكروه لأجل ما فيه من الإسرار، وإليه ذهب أكثر أهل العلم.
القول الثاني: أن زواج المسيار لا يجوز، وبه قال جماعة من أهل العلم.
القول الثالث: التوقف في حكمه لما فيه من تجاذب أسباب الحل والحرمة.
والذي يترجح لي من هذه الأقوال هو القول بجواز زواج المسيار مع كراهته، استمساكاً بالأصل، ولأن ما ذكر في أسباب منعه وتحريمه لا يقوى على التحريم. أما مضاره فهي مقابلة بما يحصل به من المصالح، والله أعلم.
-قال الشيخ سعيد عبد العظيم (حكم زواج المسيار)
فقد أعلنت دار الإفتاء المصرية مساء الاثنين 10ربيع الآخر1430هـ، الموافق 6 أبريل 2009م، إباحة زواج المسيار في مصر بشرط موافقة رئيس الجمهورية أو ولي الأمر، وقد أصدر مركز البحوث الشرعية التابع لدار الإفتاء فتوى تبيح هذا النوع من الزواج الذي عرفته مجتمعات خليجية وثار بشأنه جدل كبير بين الفقهاء بين مُبيح ومُحرم.
وأكدت الفتوى أنه صحيح وجائز إذا استوفى الشروط التي نصت عليها أحكام الشريعة الإسلامية.
وأشارت الفتوى المفاجئة إلى أن تنازل المرأة عن حقها في المبيت والنفقة لا يبطل عقد الزواج؛ لأن تنازلها عن حقوقها المادية هو اختيار حر لها لا يتعلق بأي فرد آخر، وأن الشرع يبيح لها المطالبة بحقها المادي متى أرادت.
لكن الفتوى عادت لتؤكد حق الرئيس أو الحاكم في أن يمنع هذا الزواج إذا خشي كثرة فساده أو إذا كان سببًا في عزوف الناس عن الزواج الشرعي بالطريقة المتعارف عليها. أهـ الخبر نقلاً عن جريدة الدستور يوم الثلاثاء.
ولنا عدة تعليقات على هذا الخبر:
أولاً: زواج المسيار صحيح وجائز كما قالت لجنة الفتوى المصرية. وتنازُل المرأة عن حقها في المبيت والنفقة لا يبطل عقد الزواج فليس فيه تحليل للحرام، أو تحريم للحلال وبه تتحقق مصلحة الطرفين وتنتفي المضرة والمفسدة، وغاية ما فيه تقييد المباح برضى الطرفين، كاشتراط اللون الأبيض في الثوب دون تحريم للأخضر والأزرق، وقد يتنازل الإنسان عن حقه في الميراث مع معرفة بأن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه، وأن للذكر مثل حظ الأُنثيين.
ومسألتنا هذه لا تتشابه مع تراضي الزناة والتراضي على التعامل الربوي، فتراضي المرابين والزناة لا يجعل الحرام حلالاً، أما تنازل الإنسان عن حقه وبلا استكراه، فقد يوصف بأنه من أفعال المروءة أو لغير ذلك من الصور المشروعة، فمثلاً قد تتضرر الزوجة بالبيات والزوج لديه بيت آخر يبيت فيه، واجتمعت مصلحتهما فيما يسمى بزواج المسيار فلا حرج، وفي ذلك تيسير وتخفيف وتكثير للخير والصلاح وتقليل للشر والفساد.
ثانيًا: لا يخفى عليك وجوب النفقة والسكنى بمقتضى العقد، وإذا تزوج الرجل بأخرى فيجب عليه العدل بين نسائه في المبيت وغيره مما هو مستطاع ومقدور بالنسبة له، فإن تنازلت المرأة عن حقوقها المادية فيحل لها المطالبة بهذه الحقوق متى أرادت.
وتصرف الحاكم منوط بالمصلحة في هذا وغيره ولا مصلحة للأمة في حملها على ترك مستحب، وليس للحاكم أن يحل حرامًا ولا أن يحرم حلالاً، والخلافة موضوعة لإقامة الدين وسياسة الدنيا به.
ولابد من ضبط الصور المستوردة والمستحدثة كزواج الدم والفريند بضوابط الزواج الشرعية كموافقة الولي وشهادة الشهود، والإيجاب والقبول قال الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، وقال -تعالى-: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (النور:54).
¥