: وأكره للمسلم المستأمن إليهم في دينه أن يغدر بهم؛ لأن الغدر حرام قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (لكل غادر لواء يركز عند باب استه يوم القيامة يعرف به غدرته)، فإن غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك؛ لأنه حصله بكسب خبيث، وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب، وهو مكروه للمسلم، والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين قتل أصحابه، وجاء بمالهم إلى المدينة فأسلم، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمس ماله فقال: أما إسلامك فمقبول، وأما مالك فمال غدر فلا حاجة لنا فيه) اهـ
وقال في (شرح السير الكبير 2/ 66) شارحا لقول محمد بن الحسن الشيباني:
"ولو أن رهطا من المسلمين أتوا أول مسالح أهل الحرب فقالوا: نحن رسل الخليفة. وأخرجوا كتابا يشبه كتاب الخليفة، أو لم يخرجوا، وكان ذلك خديعة منهم للمشركين. فقالوا لهم: ادخلوا. فدخلوا دار الحرب. فليس يحل لهم قتل أحد من أهل الحرب، ولا أخذ شيء من أموالهم ما داموا في دارهم. لأن ما أظهروه لو كان حقا كانوا في أمان من أهل الحرب، وأهل الحرب في أمان منهم أيضا لا يحل لهم أن يتعرضوا لهم بشيء، هو الحكم في الرسل إذا دخلوا إليهم كما بينا. فكذلك إذا أظهروا ذلك من أنفسهم. لأنه لا طريق لهم إلى الوقوف على ما في باطن الداخلين حقيقة، وإنما يبنى الحكم على ما يظهرون لوجوب التحرز عن الغدر، وهذا لما بينا أن أمر الأمان شديد والقليل منه يكفي. فيجعل ما أظهروه بمنزلة الاستئمان منهم. ولو استأمنوا فآمنوهم وجب عليهم أن يفوا لهم. فكذلك إذا ظهر ما هو دليل الاستئمان. وكذلك لو قالوا: جئنا نريد التجارة. وقد كان قصدهم أن يغتالوهم. لأنهم لو كانوا تجارا حقيقة كما أظهروا لم يحل لهم أن يغدروا بأهل الحرب، فكذلك إذا أظهروا ذلك لهم " اهـ
قال ابن الهمام في شرح فتح القدير (6/ 17):
"وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرا فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ودمائهم؛ لأنه بالاستئمان ضمن لهم أن لا يتعرض لهم فإخلافه غدر والغدر حرام بالإجماع. وفي سنن أبي داود عنه عليه الصلاة والسلام (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان) وتقدم قوله: عليه الصلاة والسلام لأمراء الجيوش والسرايا (لا تغلوا ولا تغدروا) في وصيته لهم".اهـ
قال الإمام الشافعي في (الأم 4/ 284): وإذا دخل رجل دار الحرب بأمان ..... ولكنه لو قدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة لأن المال ممنوع بوجوه أولها إسلام صاحبه والثاني مال من له ذمة والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة.) اهـ
وقال رحمه الله (4/ 292): وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه وليس له أن يغتالهم ولا يخونهم. اهـ
قال ابن حجر في الفتح 5/ 402
قال ابن حجر في الفتح: ويستفاد منه (يقصدحديث المغيرة) أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة. اهـ
وقال النووي في الروضة 10/ 291:
( ... دخل مسلم دار الحرب بأمان فاقترض منهم شيئا، أو سرق وعاد إلى دار الإسلام، لزمه رده، لأنه ليس له التعرض لهم إذا دخل بأمان. اهـ
ويقول أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية 152:
"وإذا دخل دار الحرب بأمان، وكان مأسورا معه فأطلقوه وأمنوه لم يجز له أن يغتالهم في نفس ولا مال، وعليه أن يؤمنهم كما أمنوه. اهـ
وقال ابن مفلح في المبدع (3/ 396):
"فإن أطلقوه وأمنوه فله الهرب لا الخيانة، ويرد ما أخذ منهم، لأنهم صاروا بأمانه في أمان منه، فإذا خالف فهو غادر، وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالا باختياره، لزمه إنفاذ المال إليهم إذا قدر عليه، لأنه عاهدهم على أداء مال، فلزمه الوفاء به، كثمن البيع وإن عجز عنه وعاد إليهم لزمه الوفاء لهم نص عليهما، ولأن في الوفاء مصلحة للأسارى، وفي الغدر مفسدة في حقهم، لكونهم لا يؤمنون بعده، والحاجة داعية إليه. اهـ
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (8/ 315):
"وأما خيانتهم فمحرمة لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم وأمانه إياهم من نفسه وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لعهده. فإذا ثبت هذا لم تحل خيانتهم لأنه غدر ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (المسلمون عند شروطهم) فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان رده عليهم و إلا بعث به إليهم لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه رد ما أخذ كما لو أخذه من مال مسلم).
وقال في شرح العمدة 518:
"ومن دخل دارهم بأمانهم فقد أمنهم من نفسه، وإن خلوا أسيرا منا بشرط أن يبعث إليهم مالا معلوما لزمه الوفاء لهم، فإن شرطوا عليه أن يعود إليهم إن عجز لزمه الوفاء لهم، إلا أن تكون امرأة فلا ترجع إليهم. اهـ
قال مصطفى غفر الله له:
وهذا كله في غير ما دخلوا ديار المسلمين فحينئذ لا عهد وشرط وليس لهم منا إلا القتال حتى يخرجوا، والعزة لله.
¥