ج- أن إسحاق نفسه كرر عبارته المذكورة بنفس اللفظ ولم يذكر تلك الزيادة التي تفرد بذكرها ابن عبد البر، فقد جاء في تعظيم قدر الصلاة (997) ص (611) أن إسحاق قال:
" فكذلك تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر "
د- أن إسحاق شرح ووضح معنى كلامه، ولم يتطرق إلى معنى الزيادة بشيء لا من قريب
ولا من بعيد، فقد جاء في تعظيم قدر الصلاة (996) ص (610) ذكر أجوبة لإسحاق على مخالفيه فقال:
" واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أئمة يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ...
قالوا: لو كان القوم بتضييعهم الوقت كفارا، لم يجز للمقتدي أن يقتدي بهم ...
] قال إسحاق: [وأخطأوا التأويل، لأن الأئمة لم يؤخروا الجمعة إلى غروب الشمس، إنما كانوا يؤخرونها عن أول الوقت ...
ولا ينبغي لأحد أن يكفر أحدا بترك الصلاة حتى يصير الترك إلي ما وصفنا من غروب الشمس وطلوع الفجر.
لأن ما دونهما مختلف فيه، ولا يجوز التكفير إلا بإجماع أهل العلم على ذهاب الوقت " ا. هـ
ولو كانت الزيادة له من كلامه لقرر معناها كما قرر معنى كلامه الآخر.
هـ ـ أنه ورد عن إسحاق نفسه ما يخالف تلك الزيادة، فقد جاء عنه في تعظيم قدر الصلاة
ص (609) قوله:
" فكذلك تارك الصلاة يُدعى إلى الصلاة، فإذا ندم وراجع زال عنه الكفر " ا. هـ
فدل هذا على أن إسحاق يراه متلبسا بالكفر من قبل أن يُدعى إلى الصلاة.
فكونه يُدعى إلى الصلاة فيمتنع أو يستجيب لا علاقة لها بكفره، وإنما يترتب عليها استمرار الكفر أو زواله.
والامتناع إنما يحصل بعد الدعاء إلى الصلاة، فلو كان إسحاق يراه كافرا بالامتناع لما قال:
" فإذا ندم وراجع زال عنه الكفر " لأنه لم يكفر باعتباره استجاب إلى الدعاء ولم يمتنع.
و- أن العلامة ابن رجب بين في فتح الباري (3/ 356) كلام إسحاق حول هذه الجزئية بما يؤيد ما جاء في الفقرة السابقة فقال:
" وهذا الكلام من ابن المبارك وإسحاق يدل على أن من كفّر تارك الصلاة عمدا كفره بذلك بمجرد خروج وقت الصلاة عليه، ولم يعتبر أن يستتاب ولا أن يدعى إليها " ا. هـ
ز- أن تلك الزيادة جاءت في سياق يفهم منه أنها توضيحية من ابن عبد البر، فقد ذكر ابن عبد البر- قبل نقله لكلام إسحاق – قول إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب وابن المبارك وأحمد وإسحاق، فذكر عنهم كلهم قولهم:
" من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها لغير عذر، وأبى من قضائها وأدائها وقال: لا أصلي فهو كافر "
ثم قال: " وبهذا قال أبو داود الطيالسي، وأبو خيثمة، وأبو بكر بن أبى شيبة، وقال إسحاق بن راهويه:
وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا، أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر إذا أبى من قضائها وقال لا أصليها ... " (5) ا. هـ
فانظر إلى ما نقله ابن عبد البر عن الأئمة من قولهم:
" وأبى من قضائها وأدائها وقال: لا أصلي " فهو نفس ما جاء في زيادة إسحاق: " إذا أبى من قضائها وقال: لا أصليها "
ولا يتصور أن يأتي صاحب فهم فيقول إن النخعي والحكم وأيوب وابن المبارك و أحمد والطيالسي وأبا خيثمة وابن أبي شيبة كلهم قد وردت عنهم تلك الزيادة وأيضا من أقوالهم؟
فمن الواضح أن ابن عبد البر قد عبر بها من عنده توضيحا لمقالتهم لا أنها من ألفاظ أولئك الأئمة
وهذا التوضيح لعله فهمه من بعض الأدلة أو بعض الآثار، فلا حجة فيه على هذا لصرف أو تأويل
ما جاء عن أولئك مما يخالف هذه الزيادة أو ما جاء مجردا منها.
أما إذا أصر المشايخ على القول بأن زيادة إسحاق هي من قوله، فعليهم أن يقولوا إن تلك الزيادة في مقالة الأئمة أيضا من أقوالهم جميعهم، فهل يا ترى لم يقف عليها ولم يعثر عليها في مقالاتهم المتباينة المخارج إلا ابن عبد البر فقط؟!
فها هي مقالاتهم منثورة في كتب أهل العلم فلِمَ لم تذكر؟
هل نقلها أحد من أهل العلم عن النخعي أو الحكم أو أيوب أو الطيالسي أو أبي خيثمة أو ابن أبي شيبة؟
لا شك أنها لم ترد عن أكثرهم إن لم نقل كلهم، وبالتالي فهي من فَهْم ابن عبد البر ذكرها توضيحا.
فكذلك زيادة إسحاق التي تعلق بها المشايخ.
فهذه سبعة أوجه تدل على أن تلك الزيادة ليست من لفظ إسحاق، وكل واحدة منها تكفي في الدلالة على ذلك فكيف وهي مجتمعة.
¥