ومع كل ما تقدم فلو سلمنا جدلا أن تلك الزيادة هي من قول إسحاق نفسه , فإن المعنى الذي تدل عليه لا يتفق مع المعنى الذي ذهب إليه المشايخ.
فإن كلام إسحاق سيكون دالا على أن من ترك صلاة حتى يخرج وقتها وكان عازما من عند نفسه على ألا يقضيها ولو من غير أن يدعى إليها فهو كافر.
وهذا يختلف مع كلام شيخ الإسلام خلافا لما ذكره المشايخ، فشيخ الإسلام يشترط في كفر الظاهر أن يُدعى إلى الصلاة فيمتنع، بخلاف إسحاق فإنه على صحة هذه الزيادة من امتنع من عند نفسه دون أن يدعى فهو كافر عنده.
ثم إن المشايخ على ما فهمتُ من كلامهم يرون أن حالة الامتناع هي التي يستمر فيها الامتناع حتى حصول القتل أو خطواته.
وعلى هذا فلا كلام إسحاق يوافقون، ولا كلام شيخ الإسلام، وبالتالي فقولهم عن كلام إسحاق
" وهذا لا إشكال فيه "
هو الإشكال بذاته.
وإليك أخي القارئ شيئا من عبارات إسحاق الواضحة البينة، فأهمها ما تقدم نقله، ونصه:
" قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر " (6)
وقوله:
" ولقد جعلوا للصلاة من بين سائر الشرائع كالإقرار بالإيمان "
ثم ذكر كلاما خطَّأ فيه مَنْ ذهب إلى عدم التكفير، ثم على من أول الكفر بالجحود (7)
وقوله:
" ولا ينبغي لأحد أن يكفر أحدا بترك الصلاة، حتى يصير الترك إلى ما وصفنا من غروب الشمس وطلوع الفجر، لأن ما دونهما مختلف فيه ولا يجوز التكفير إلا بإجماع أهل العلم على ذهاب الوقت " (8)
وقوله:
" وقد كفى أهل العلم مؤونة القياس في هذا، ما سن لهم النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، جعلوا حكم تارك الصلاة عمدا حكم الكافر " (9)
وقال عنه تلميذه محمد بن نصر:
" وكان إسحاق يكفره بترك الصلاة على ما حكينا عنه، ويرى عليه القضاء إذا تاب " (10)
وكل من نقل عن إسحاق قوله، نقل عنه التكفير.
فهل يقال بعد كل هذا إن هذا يظهر منه النزوع إلى التكفير لا القول به؟!
أو يشكك في ذهابه إلى التكفير؟
وأخيرا هل المشايخ في ضوء ما فهموه من كلام إسحاق هم يوافقونه؟
فإن كانوا يرون أنهم يوافقونه ـ وهذا ما يظهر من كلامهم السابق ـ فلِمَ هذا التباين الكبير بينه وبينهم في التعامل مع المسألة؟
ألم يشعروا بأن هناك تباينا كبيرا وظاهرا، يتجلى تارة في أسلوب العرض، وتارة في توجيه الأدلة وحملها، وتارة من حيث الجهة التي يوجهون إليها الرد، ألم يشعروا بكل هذا؟!!
أما العرض فهو رحمه الله يعرض المسألة على أن الراجح والصحيح بل الإجماع على أن تارك الصلاة كافر (11)
بينما هم يخالفون و يعرضون المسألة على أن الراجح عدم التكفير (12)
وهو رحمه الله يوجه الأدلة على أنها جميعها في الكفر الأكبر (13)
وهم يخالفونه ويحملونها على الكفر الأصغر (14)
وأما جهة الرد فهو رحمه الله دائما يوجه ردوده إلى المانعين من التكفير (15)
بينما هم دائما يُوجّهون ردودهم إلى المكفرين (16)
بالإضافة إلى العبارات الواضحة من الطرفين والتي تنص على اختلافهم في المسألة.
فهل يتصور أحد أن كل هذا الفرق الذي بينهم حاصل مع اتفاقهم على قول واحد في المسألة؟
هذا ما لا يمكن مع كل هذه الفروق.
فإن اعترف المشايخ بأنهم لا يوافقون إسحاق فلِمَ أتوا بكلامه؟!
ما هي الفائدة من سوقه وتأويله؟
لا توجد أي فائدة سوى التشويش على من يستدل بكلام إسحاق في نقل الإجماع.
ويبدوا أن الإجماع هو المقصود بهذه المناورة الضعيفة.
الوقفة الثالثة:
ذكر المشايخ أثر عبد الله بن شقيق العقيلي:
" كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة "
ثم علقوا على الأثر فقالوا ص (35):
" فنقول لم يدرك العقيلي هذا وهو تابعي رحمه الله إلا أقل من عشرة من الصحابة، فكيف ينسب لغيرهم ما لم يدركه منهم، فأين الإجماع إذا " ا. هـ
وهذا منهم خطأ كبير قد يساء بهم الظن من أجله، فكلامهم يحمل في معانيه التقليل من قيمة الأثر علميا، وذلك ليضعف الاستدلال به.
¥