الثاني: قول من أثبت له سماع حديث أو حديثين كأحمد في رواية ابنه صالح عنه، وقول من نقل عنهم العجلي ذلك، وكذا ابن المديني في رواية عنه.
الثالث: قول من أثبت له السماع عموما كأبي حاتم وظاهر صنيع البخارى ورواية عن ابن معين
والراجح أن سماعه منه ثابت وأنه سمع منه عدة أحاديث ليست بالكثيرة، فمتى قامت قرائن على ذلك حكم بالسماع، لأن المثبت مقدم على النافي كما هو معلوم، ومن علم حجة على من لم يعلم، وسماع عبد الرحمن في تلك السن ليس بمستبعد، وشيخه في الإسناد هو أبوه، ومطلق السماع قد أثبته جم من الأئمة، ورواية المقرئ للسماع عند ابن المنذر قرينة على ذلك، وخاصة أن المقرئ لم يذكر فيمن سمع من المسعودي بعد الاختلاط، وأصله من البصرة أقرأ فيها القرآن ستة وثلاثين سنة كما أخبر عن نفسه وسماع من سمع من المسعودي في البصرة جيد كما قال أحمد بن حنبل.
ومن القرائن المقوية لصحة الأثر، أنه رواه عن ابن مسعود أيضا حفيده القاسم بن عبد الرحمن، وهو وإن لم يكن قد سمع منه إلا أن رواية الرجل عن أهل بيته أقوى من روايته عن غيرهم، وخاصة أن الراوي عن القاسم هو المسعودي أيضا، وقد نص العلماء على أن رواية المسعودي عن القاسم أصح الروايات التي يرويها المسعودي.
قال ابن معين كما في رواية الدوري (1607):
" وكان حديثه صحيحا عن القاسم و معن (ابني) عبد الرحمن "
وقال في موطن آخر (2105):
" وحديثه عن عون والقاسم صحاح "
وفي رواية عبد الله بن شعيب عنه في تاريخ دمشق (35/ 17):
" ويصحح له ما روى عن القاسم و معن وشيوخه الكبار "
وقال ابن المديني:
" ما روى عن القاسم و معن صحيح " تاريخ دمشق (35/ 18)
و بنحوه قال الإمام أبوزرعة كما في سؤالات البردعي (420)
فالمسعودي صحيح الرواية فيما يروي عن القاسم، وكلاهما من ولد عبد الله بن مسعود فالإسناد
مسعودي هذلي.
وقد أخرج رواية المسعودي عن القاسم علي بن الجعد في مسنده (1924) ومن طريقه اللالكائي (1532) من رواية علي بن الجعد عن المسعودي به
والطبراني (9/ 190ـ191) (8938ـ8939ـ8940) من رواية أبي نعيم وحماد بن سلمة وأسد بن موسى، (وأبو نعيم ممن روى عنه قبل الاختلاط) كلهم عن المسعودي به
والآجري في الشريعة (1/ 291) رقم (292) وكذا اللالكائي (1533) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن المسعودي به
فالمسعودي قد روى الأثر على هذا من وجهين:
- القاسم عن ابن مسعود
- الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ابن مسعود
وقد رواه بالوجهين يحيى بن سعيد القطان، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط وأسد بن موسى
ومما يؤكد أن المسعودي قد ضبطه بالوجهين وأن هذا ليس باضطراب منه أمران:
الأول: أن تلاميذه الذين رووا عنه قبل الاختلاط قد رووا عنه الوجهين، كيزيد بن زريع للوجه الأول وأبي نعيم للوجه الثاني ويحيى القطان للوجهين.
الثاني: أن تلاميذه الآخرين ممن رووا عنه بعد الاختلاط، أو من لم نعرف متى رووا عنه، قد رووا عنه بما وافق الروايات الأخرى دون خلط، كرواية المقرئ وحماد بن سلمة وعلي بن الجعد وأسد بن موسى.
أي من رواه عن القاسم رواه منقطعا، ومن رواه عن الحسن رواه موصولا دون اختلاف بينها
سوى ما جاء في رواية وكيع، فقد أخرج ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (62ـ938) والطبري في تفسيره (16/ 99) وابن حزم في المحلى (2/ 240) من طريق وكيع عن المسعودي عن القاسم والحسن كليهما عن ابن مسعود به.
فلم يفرق وكيع بين رواية القاسم والحسن كغيره من الرواة ولم يُفَصّل فيها، وهذا من باب الاختصار في الرواية إن شاء الله والإجمال فيها، إذ التفصيل في الروايات المقرونة مهمول في صنيع كثير من الرواة.
ولهذا فمن الفوائد العملية التي لا تخفى إن شاء الله على المشتغلين بهذا الفن، أن الباحث عندما يبحث في حديث ما، في زيادة فيه أو لفظة منه ليعلم هل هي محفوظة أم لا، فإن عليه ألا يعول كثيرا على الطرق التي يُقرن فيها أكثر من راو في سند واحد على أن اللفظ أو الزيادة لكليهما، فإن المصنفين أو تلاميذ أولئك الشيوخ المبحوث في ألفاظهم، لا يفصلون غالبا ولا يدققون في ألفاظ شيوخهم المقرونين ويظهر لك ذلك عندما تقف على رواية أحد المقرونين مفردة في مصنف آخر.
¥