ومن هنا يثور التساؤل حول مدى مشروعية التعامل في الأسهم بصورة عامة، والاستثمار فيها ولا سيما الاستثمار في الأسهم التي تمتلكها الشركات العالمية، أو الشركات المحلية داخل العالم الإسلامي ولكن معاملاتها لا تخلو من شوائب الربا.
لا شك أن الشركات المساهمة تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد المعاصر، وأن أهم ركائزها وأدواتها هي الأسهم، ومن هنا يثور التساؤل حول مدى مشروعية التعامل في الأسهم بصورة عامة، والاستثمار فيها
ومن أخطر ما تعاني منه مجتمعاتنا هو وجود النظام غير الإسلامي (الرأسمالي، أو الاشتراكي) الذي تكونت في ظله الشركات في عالمنا الإسلامي حيث لا يلتزم معظمهم بالمنهج الإسلامي القويم، فتقرض وتقترض من البنوك الربوية.
ومعظم المسلمين اليوم في حيرة، هل يتركون هذه الشركات فيقاطعونها ولا يساهمون فيها، وبالتالي ينفرد الفسقة وضعفاء الدين بإدارة هذه الشركات التي تعد العمود الفقري للحياة الاقتصادية؛ وذلك لأنها قائمة وأن مقاطعة الغيورين المخلصين لا تؤثر في مسيرتها أم أنهم يدخلون فيها لغرض الإصلاح والتغيير؟
وفي مقابل هذا التحير من عامة المسلمين نجد اختلاف المعاصرين حيث إن منهم من ينظر إلى مقاصد الشريعة وما يترتب على المقاطعة وعدم المساهمة فيها من مفاسد فأجاز المساهمة فيها بشروط وضوابط، ومنهم من نظر نظرة خاصة إلى ما يشوب هذه المعاملة من حرام فرفضها رفضاً مطلقاً.
ونحن في هذه العجالة نناقش هذه المسألة بكل أمانة وإخلاص راجياً من الله _تعالى_ أن يسدد خطانا، ويلهمنا الصواب، وأن يعصمنا من الخطأ في العقيدة وفي القول والعمل.
أولاً: الاستثمار في اللغة والاصطلاح:
الاستثمار في اللغة:
الاستثمار لغة: مصدر استثمر يستثمر وهو للطلب بمعنى طلب الاستثمار، وأصله من الثمر وهو له عدة معان منها ما يحمله الشجر وما ينتجه، ومنها الولد، حيث يقال: الولد ثمرة القلب، ومنها أنواع المال.
ويقال: ثمر (بفتح الميم) الشجر ثموراً أي: ظهر ثمره، وثمر الشيء أي نضج وكمل، ويقال: ثمر ماله أي كثر، وأثمر الشجر أي بلغ أوان الإثمار، وأثمر الشيء أي آتى نتيجته، وأثمر مالُه –بضم اللام- أي كثر، وأثمر القوم: أطعمهم الثمر، ويقال: استثمر المال وثمره - بتشديد الميم - أي استخدمه في الإنتاج، وأما الثمرة هي واحدة الثمر فإذا أضيفت إلى الشجر فيقصد بها حمل الشجر، وإلى الشيء فيراد بها فائدته، وإلى القلب فيراد بها مودته، وجمع الثمرة: ثمر –بفتح الثاء والميم- وثمر- بضمها- ثمار وأثمار (1)
وقد وردت كلمة "أثمر"، وثمرة، وثمر، وثمرات أربعاً وعشرين مرة في القرآن الكريم منها قوله _تعالى_: "انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [الأنعام: 99] أي انظروا إلى ثمار تلك الأشجار والنباتات، ونضجها للوصول إلى الإيمان بالله _تعالى_ حيث يحمل ذلك عجائب قدرته _تعالى_، ومنه قوله _تعالى_: "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأنعام: 141]، حيث امتن الله _تعالى_ علينا بالثمار، وأمرنا أن نأكل من ثمار هذه الأشجار والنباتات عندما تثمر وتنتج، وأن نعطي حقها (وهو الزكاة) عند حصادها فوراً للمستحقين، كما أمرنا بأن لا نسرف في الباقي، وهذا يدل على أن حق الملكية ليس حقًّا مطلقاً، بل مقيد بضوابط الشرع.
وفي هذه الآية وآيات أخرى أسند الله _تعالى_ الإثمار إلى الشجر والنبات أنفسهما مما يدل على أهمية العناية بالسنن والأسباب الظاهرة التي لها تأثير على النمو والثمر والنضج مع أن الفاعل الحقيقي هو الله _تعالى_، ولذلك أكد هذه الحقيقة في آيات أخرى فقال: "وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ" [البقرة: 22] وقوله _تعالى_: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ" [البقرة: 126].
¥