تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا لو كان عاجزا عن الهجرة والانتقال إلى المكان الأفضل التي لو انتقل إليها لكانت الطاعة عليه أهون، وطاعة الله ورسوله في الموضعين واحدة، لكنها هناك أشق عليه. فإنه إذا استوت الطاعتان فأشقهما أفضلهما، وبهذا ناظر مهاجرة الحبشة المقيمون بين الكفار لمن زعم أنه أفضل منهم، فقالوا: كنا عند البغضاء البعداء، وأنتم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعلم جاهلكم، ويطعم جائعكم، وذلك في ذات الله.

/وأما إذا كان دينه هناك أنقص فالانتقال أفضل له، وهذا حال غالب الخلق، فإن أكثرهم لا يدافعون، بل يكونون على دين الجمهور. وإذا كان كذلك، فدين الإسلام بالشام في هذه الأوقات وشرائعه أظهر منه بغيره. هذا أمر معلوم بالحس والعقل، وهو كالمتفق عليه بين المسلمين العقلاء الذين أوتوا العلم والإيمان، وقد دلت النصوص على ذلك؛ مثل ما روي أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم). وفي سننه ـ أيضا ـ عن عبد الله بن حوالة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ستجندون أجنادا: جندا بالشام، وجندا باليمن، وجندا بالعراق، فقال ابن حوالة: يا رسول الله، اختر لى، فقال: عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه يجتبى إليه خيرته من خلقه، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليتق من غدره، فإن الله قد تكفل لى بالشام وأهله). وكان الحوالي يقول: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه. وهذان نصان في تفضيل الشام.

وفي مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لايزال أهل المغرب ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة). قال الإمام أحمد: أهل المغرب هم أهل الشام، وهو كما قال: فإن هذه لغة أهل المدينة النبوية في ذاك /الزمان، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق، ويسمون أهل الشام أهل المغرب؛ لأن التغريب والتشريق من الأمور النسبية، فكل مكان له غرب وشرق؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك في المدينة النبوية، فما تغرب عنها فهو غربه، وما تشرق عنها فهو شرقه.

ومن علم حساب البلاد ـ أطوالها وعروضها ـ علم أن المعاقل التي بشاطئ الفرات ـ كالبيرة ونحوها ـ هي محاذية للمدينة النبوية، كما أن ما شرق عنها بنحو من مسافة القصر كحرام وما سامتها مثل الرقة وسميساط فإنه محاذ أم القرى مكة ـ شرفها الله. ولهذا كانت قبلته هو أعدل القبل، فما شرق عما حاذى المدينة النبوية فهو شرقها، وما يغرب ذلك فهو غربها.

وفي الكتب المعتمد عليها مثل [مسند أحمد] وغيره عدة آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأصل: مثل وصفه أهل الشام (بأنه لا يغلب منافقوهم مؤمنيهم). وقوله: (رأيت كأن عمود الكتاب ـ وفي رواية: عمود الإسلام ـ أخذ من تحت رأسي، فأتبعته نظري فذهب به إلى الشام). وعمود الكتاب والإسلام ما يعتمد عليه، وهم حملته القائمون به. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (عقر دار المؤمنين الشام). ومثل ما في الصحيحين عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم /أنه قال: (لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة).

وفيهما ـ أيضا ـ عن معاذ بن جبل قال: (وهم بالشام). وفي تاريخ البخاري قال: (وهم بدمشق). وروي: (وهم بأكناف بيت المقدس). وفي الصحيحين ـ أيضا ـ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أخبر (أن ملائكة الرحمن مظلة أجنحتها بالشام).

والآثار في هذا المعنى متعاضدة، ولكن الجواب ـ ليس على البديهة ـ على عجل.

وقد دل الكتاب والسنة وما روي عن الأنبياء المتقدمين ـ عليهم السلام ـ مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات العارفين: أن الخلق والأمر ابتدءا من مكة أم القرى، فهي أم الخلق، وفيها ابتدئت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الأرض، وهي جعلها الله قياما للناس: إليها يصلون، ويحجون، ويقوم بها ما شاء الله من مصالح دينهم ودنياهم، فكان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم، ودلت الدلائل المذكورة على أن ملك النبوة بالشام، والحشر إليها. فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر. وهناك يحشر الخلق. والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام. وكما أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير