تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن مجرد إخراج النبي رفع للأمان وإيذان بحلول العذاب، ولهذا قال الله _تعالى_: "وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً" [الإسراء:76]، فإذا كان هذا جزاء الإخراج فكيف بالأذى والسخرية والاستهزاء؟ لعلك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولابد أن تصيبه قارعة، وقد قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر حديث أنس بن مالك _رضي الله عنه_، قال: كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي _صلى الله عليه وسلم_ فعاد نصرانياً وكان يقول لا يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه، وهذا حديث صحيح ثابت عند البخاري وغيره.

ثم قال الإمام ابن تيمية معلقاً: "وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذا كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه وكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحة وتيسر ولم يكد يتأخر إلاّ يوماً أو يومين أو نحو ذلك ثم يُفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة. قالوا حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه، وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات؛ أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين".

وقال في موضع آخر: وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة.

وقد قال أصدق القائلين _سبحانه_ مبيناً تكفله بكفاية شر هؤلاء: "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة: 136 - 137]. فما أوسع البون بين أهل الإسلام الأتقياء الأنقياء الذين يؤمنون بجميع الرسل ويعظمونهم ويوقرونهم، وبين غيرهم الذين ناصبوا رسلهم العداء قديماً وحديثاً، وورثوه كابراً عن كابر.

ولاشك أن ساسة الدول الذين يغضون الطرف عن سفهائهم الواقعين في أعراض الأنبياء ليسوا عن الذم بمعزل، فإن الله _سبحانه_ تأذن بإهلاك المدن والقرى الظالمة، ولعل من أظلم الظلم الاعتداء على الأنبياء وتنقصهم، فإن ذلك يخالف التشريعات السماوية، كما أنه مخالف للنظم والقوانيين الوضعية الكافرة الأرضية. والدول الغربية إذا لم تقم العدل لم تبق من مقومات بقائها كثير أعمدة.

ولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم مشعر بتهالك حضارتهم وقرب زوالها، فإنهم ما تجرؤوا ولا عدلوا إلى الانتقاص وأنواع الشتم إلاّ بعد أن فقدوا المنطق، وأعوزتهم الحجة، بل ظهرت عليهم حجة أهل الإسلام البالغة، وبراهين دينه الساطعة، فلم يجدوا ما يجاروها به غير الخروج إلى حد السب والشتم، تعبيراً عن حنقهم وما قام في نفوسهم تجاه المسلمين من المقت، وغفلوا أن هذا يعبر أيضاً عما قام في نفوسهم من عجز عن إظهار الحجة والبرهان، والرد بمنطق وعلم وإنصاف. فلما انهارت حضارتهم المعنوية أمام حضارة الإسلام عدلوا إلى السخرية والتنقص والشتم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير