إنه مَزْلق خطير أن نظن أننا نصرنا ربنا ونبينا وديننا بما حصل من مقاطعةِ ما غايته شهوات بطون وإن كان هذا نوع نصرة , وإنما المراد وبيْت القصيد هو تأمل ما قاله ربنا عز وجل بمناسبة ادّعاء من ادّعى محبة الله سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [6] .. هذه الآية تسمى آية المحنة ففيها الامتحان: هل المحبة صادقة أم كاذبة؟!، ولذلك فعليك أن تتأمل عُظْمَ جزاء الصدق في ذلك وهو: (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)!، ولهذا يقول بعض السلف: (ليس الشأن أنْ تُحِب ولكن الشأن أنْ تُحَب!)، وقال الحسَن البصري وغيره من السلف: (زعَم قومٌ أنهم يُحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية) [7].
فنسأل الله أن يجعل ما حصل من مقاطعة بضائع هؤلاء الكفار فاتحة خير للأمة وبداية حياةٍ لها لرجوعها إلى نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وألاَّ يكون ذلك مجرد حماس وردة فِعل كما يُقال:
سحابةُ صَيفٍ عن قليلٍ تَقَشَّعُ!
وليُعلم أنه لا يضر القمر نباح الكلاب .. فهكذا الحال مع أعداء الله ورسوله الكفرة الفجرة!.
إنَّ وَصْفَ نبينا - عليه الصلاة والسلام - وما جاء به من الدين القويم والرحمة المهداة برسومات بشعة وصوَر قبيحة يقصر عنه ولا يقاربه ولا يدانيه ما يُقال:
كضرائرِ الْحَسْناءِ قُلْنَ لوجهِهَا: - حَسداً وبغياً -: (إنه لدميمُ)!
لكن الأمر من جهة التقريب بالأمثال فقط كذلك فإن ما حصل فيه نوع شبه مما يقال:
وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ طُوِيتْ أتاحَ لَهَا لسانَ حَسُودِ!
لقد أخرج البخاري في صحيحه [8] عن أبي إسحاق السبيعي قال: سُئل البراء بن عازب -رضي الله عنه -: (أكان وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل السيف؟! [9])، قال: (لا، بل مثل القمر)، وأخرج مسلم في صحيحه [10] عن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة - رضي الله عنه - يقول: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا أدَّهن لم يتبيَّن، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية)، فقال رجل: (وجهه مثل السيف؟!)، قال: (لا، بل كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديراً، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده).
وأخرج البيهقي [11] عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلت للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟، فقالت: (يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة!).
وقد وصفت أم معبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سُئلت عنه حينما هاجر إلى المدينة ومرَّ بخيمتيها ..
قال ابن القيم - رحمه الله – في كلامه على هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة: [" فصل " ثم مرَّ في مسيره ذلك حتى مرَّ بخيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جَلْدَةً تحتبي بفناء الخيمة، ثم تُطعم وتسقي مَن مَرَّ بها، فسألاها هل عندها شيء؟!، فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القِرى والشاة عازب - وكانت سَنَةً شهباء - فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كِسْر الخيمة، فقال: (ما هذه الشاة يا أم معبد؟!)، قالت: شاة خلَّفها الجهد عن الغنم، قال: (هل بها من لبن؟!)، قالت: هي أجهد من ذلك، فقال: (أتأذنين لي أن أحلبها؟!)، قالت: نعم بأبي وأمي .. إن رأيت بها حلباً فاحلبها .. فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرعها وسمى الله ودعا، فتفاجت عليه ودرَّت، فدعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه حتى عَلَته الرغوة، فسقاها فشَرِبت حتى رويت وسقا أصحابه حتى رَوَوْا، ثم شَرِب وحَلَب ثانياً حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها، فارتحلوا، فقلَّما لَبِثَ أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عِجَافاً يتساوَكن هُزَالاً، فلما رأى اللَّبَن عَجِب فقال: (من أين لكِ هذا والشاة عازبٌ ولا حلوبةٌ في البيت؟!)، فقالت: لا واللهِ إلا أنه مَرَّ بنا رجلٌ مُبارك كان من حديثه كَيْت وكَيْت ومن حاله كذا وكذا؛ قال: (والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه .. صِفِيه لي يا أم معبد)، قالت: ظاهرَ الوضاءة، مليح الوجه , حَسَن الخلْق لم تَعِبْه ثُجْلة {أي كِبَر البطن} , ولم تُزْرِ به صَعْلَه
¥