{أي صِغَر الرأس}، وسيمٌ قسيمٌ، في عينيه دَعج {أي شِدّة سواد الحدَقَة}، وفي أشفاره وَطف {أي في شَعْر أجفانه طول}، وفي صوته صَحَل [12]، وفي عنقه سَطَع {أي نور وطُول}، وفي لِحيته كَثَاثة [13]، أكحلٌ، أزجٌّ {أي المتقوِّس الحاجبين}، أقرنٌ {وهو التقاء الحاجبين بين العينين [14]}، شديدُ سواد الشَّعَر، إذا صَمَت علاه الوقار {أي الهيْبة}، وإنْ تكلَّم علاَه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب , حُلْو المنطق , كأن مَنْطِقَه خرزات نَظْم {أي الدُّرّ من حسنه وبلاغته وبيانه وحلاوة لسانه}، رَبْعة لا تقحمه عين من قِصَر، ولا تشنؤه من طُول غصن بين غصنين {أي لا تبغضه لفرْط طوله}، فهو أنضَر الثلاثة مَنظَراً وأحسنهم قدراً، له رفقاء يَحُفُّون به .. إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمرَ تبادروا إلى أمره , محفود محشود {أي يخدمه أصحابه ويجتمعون إليه، لا عابس {أي متجهم الوجه}، ولا مُفَند {والمفند هو الذي لا فائدة في كلامه لكبر أصابه}؛ فقال أبو مَعْبد: (هذا - واللهِ - صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلنَّ إن وجدتُ إلى ذلك سبيلاً!)] انتهى [15].
هذا وصفُ امرأة عربية بدوية للطلعة البهية - صلى الله عليه وسلم -، أما الكفرة الفجرة فيقال لهم وصُوَرَهُمْ: (ما ضر القمر نباح الكلاب)!.
ومع ما هو عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجمال الخلْقي العظيم حتى كأنه من شدةِ جَمَاله كالبدر والشمس إلا أن أعداء الله الصليبيين في (الدنمرك) قد صوَّروه برسومات شنيعة بشِعَةٍ وجعلوا له قروناً ونحو ذلك - قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون -!، وهم لو صوَّروه بأحسن صورة لكان ذلك مُنكَراً لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد حرَّم التصوير، ولا عِبرة بجرأة أهل هذا الزمان على الحرام، فالدين ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - لا ما تُلُوعب به وتُحيِّل عليه كما هو حاصل اليوم عند كثير من الناس والله المستعان.
بعد ذلك ذكر ابن القيم شِعْر جِنّيٍّ كان مُشَاهداً لِمَا حصل عند خيمة أمِّ مَعْبَد وأنه أزرى بقريش وذمَّهم لِمَا فعلوا بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وحتى يعلم الكفار أن شاة أم معبد وهذا الجني لا يساوون عندنا بالكفار كلَّهم، أسوق أبيات هذا الجني الذي طار إلى مكة يؤنب قريش.
قال ابن القيم - رحمه الله - بعد الكلام السابق: [وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعونه ولا يرون القائل:
جَزَى الله ربُّ العرشِ خيرَ جَزَائِهِ ... رفيقينِ حَلاَّ خيمتَيْ أمّ مَعْبَدِ
هُمَا نزلاَ بالبِرِّ وارتحلاَ بِهِ ... وأفلحَ مَن أمْسَى رفيقَ مُحَمَّدِ
فيَا لِقُصَيٍّ مَا زَوَى الله ُعَنكُمُ ... به مِنْ فِخَارٍ لا يُحََاذَى وَسُؤْدَدِ
لِيَهْنِ بني كعبٍ مكانَ فَتَاتِهِمْ ... ومقعدها للمؤمنينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أختكُمْ عَنْ شاتِهَا وإنائِهَا ... فإنكُمُ إنْ تسألوا الشاءَ تَشْهَدِ
فلمَّا سَمِع حسان بن ثابت - شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك شَبَّبَ - أي ابتدأ - يُجيب الهاتف وهو يقول:
لقد خابَ قومٌ زالَ عنهمْ نبيُّهُمْ ... وقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إليهِ ويَغْتَدي
تَرَحَّلَ عنْ قومٍ فزالتْ عقولُهُمْ ... وَحلَّ على قومٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بهِ بعد الضلالة رَبُّهُمْ ... وأرشَدَهُمْ مَن يَتْبَعَ الحقَّ يَرْشُدِ
قالت أسماء: (مادَرَينا أين توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ أقبل رجلٌ من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى خرج من أعلاها .. فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن وجهه إلى المدينة] انتهى مع تصرف يسير [16].
إن الغيرة لله ولنبيه ولدينه إذا كانت صادقة فآثارها لابد أن تظهر على سلوك مَن غار، وإلا فهي كثوَرَان الغبار لسقوط جدار، وإليك هذا المثال المقرب لما نحن بصدده:
¥