تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومع ما هو عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجمال الخلْقي العظيم حتى كأنه من شدةِ جَمَاله كالبدر والشمس إلا أن أعداء الله الصليبيين في (الدنمرك) قد صوَّروه برسومات شنيعة بشِعَةٍ وجعلوا له قروناً ونحو ذلك - قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون -!، وهم لو صوَّروه بأحسن صورة لكان ذلك مُنكَراً لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد حرَّم التصوير، ولا عِبرة بجرأة أهل هذا الزمان على الحرام، فالدين ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - لا ما تُلُوعب به وتُحيِّل عليه كما هو حاصل اليوم عند كثير من الناس والله المستعان.

بعد ذلك ذكر ابن القيم شِعْر جِنّيٍّ كان مُشَاهداً لِمَا حصل عند خيمة أمِّ مَعْبَد وأنه أزرى بقريش وذمَّهم لِمَا فعلوا بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وحتى يعلم الكفار أن شاة أم معبد وهذا الجني لا يساوون عندنا بالكفار كلَّهم، أسوق أبيات هذا الجني الذي طار إلى مكة يؤنب قريش.

قال ابن القيم - رحمه الله - بعد الكلام السابق: [وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعونه ولا يرون القائل:

جَزَى الله ربُّ العرشِ خيرَ جَزَائِهِ ... رفيقينِ حَلاَّ خيمتَيْ أمّ مَعْبَدِ

هُمَا نزلاَ بالبِرِّ وارتحلاَ بِهِ ... وأفلحَ مَن أمْسَى رفيقَ مُحَمَّدِ

فيَا لِقُصَيٍّ مَا زَوَى الله ُعَنكُمُ ... به مِنْ فِخَارٍ لا يُحََاذَى وَسُؤْدَدِ

لِيَهْنِ بني كعبٍ مكانَ فَتَاتِهِمْ ... ومقعدها للمؤمنينَ بِمَرْصَدِ

سَلُوا أختكُمْ عَنْ شاتِهَا وإنائِهَا ... فإنكُمُ إنْ تسألوا الشاءَ تَشْهَدِ

فلمَّا سَمِع حسان بن ثابت - شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك شَبَّبَ - أي ابتدأ - يُجيب الهاتف وهو يقول:

لقد خابَ قومٌ زالَ عنهمْ نبيُّهُمْ ... وقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إليهِ ويَغْتَدي

تَرَحَّلَ عنْ قومٍ فزالتْ عقولُهُمْ ... وَحلَّ على قومٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ

هَدَاهُمْ بهِ بعد الضلالة رَبُّهُمْ ... وأرشَدَهُمْ مَن يَتْبَعَ الحقَّ يَرْشُدِ

قالت أسماء: (مادَرَينا أين توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ أقبل رجلٌ من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى خرج من أعلاها .. فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن وجهه إلى المدينة] انتهى مع تصرف يسير [16].

إن الغيرة لله ولنبيه ولدينه إذا كانت صادقة فآثارها لابد أن تظهر على سلوك مَن غار، وإلا فهي كثوَرَان الغبار لسقوط جدار، وإليك هذا المثال المقرب لما نحن بصدده:

ولَدٌ عاقٌّ بوالده، لا يمتثل أمره ولا ينتهي عن نهيه، مبارزٌ له بما يكره، سمع مرة مَن يسب أباه فعاقبه، فَعَلِم الوالد بذلك فقال لولده: (قد علمت ما فعلت بمن سبني ولكنني في شك من حبك لي لأنك أنت تبارزني بما يسخطني، فكم أمرتك ولم تمتثل أمري؟! .. وكم نهيتك ولم تترك نهيي؟!) .. هذا المثال صحيح حتى في أمور الدنيا المحضة فكيف بما نحن فيه من أمر الدين وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟!.

ومثال آخر لرجل له غنم وكان يحلبها ويشوب لبنها بالماء فيبيعه على الناس، وقد استمر على هذا الغش فجاء مرةً الوادي فغرَّق الغنمَ كلَّها وقيل له: (إنَّ قطَرَات الماء التي كنت تشوب بها اللبن وتغش الناس قد اجتمعت وغرّقت الغنم)، فلو قيل لنا: (إن استهانتكم بالصور التي ملأت بلدانكم وقد حرّمها نبيكم تجمّع شؤمها فصار تصوير نبيكم والسخرية به) فماذا نقول؟! .. مع أن هذه واحدة من عظائم أعظم منها لا تحصى ولا تُعدّ!.

وتأمَّل قصة أبي طالب - عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لاقاه من أذى قومه من أجل حُبِّه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وحمايته له ونصرته له، فلم يكن ذلك كافياً لحصول رضى الإله - عز وجل - عنه حيث لم يَتَّبِع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات على الكفر، ونُهِي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستغفار له [17]!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير