تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

«وأنا أتكلّم جاءت ورقة، سؤال عن المقاطعة، وكذا رأيت عدد من الأسئلة في الباب نفسه، وهذا يقتضي كلمة في هذه المسألة، والأمر متوقع، ولا سيما من قبل بعض الأخوة الذين سيخطبون غداً الجمعة، والآن جاء سؤال: هل المقاطعة شرعيّة من كل وجه؟ أم فيها شيء من التشبه بالكفّار؟

يعني بالتأمُّل وجدتُ أنّ المقاطعة قائمة على أصول، وهذه الأصول تحتاج إلى كلمة، فالكلمة:

الأصل الأول: الترك عند علماء الأصول عمل، الترك عمل {قال ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً}، فهجران القرآن جعله اتخاذاً ربُّنا -عزَّ وجل-، فترك الشراء والبيع عمل بلا شك، ترك البيع والشراء هو عمل من هذه الحيثيّة.

الحيثيّة الأخرى: أنّ الأصل في العقوبات لست التوقيف، لكن العدل، الأصل فيه العدل، وليس الأصل في العقوبات التوقيف.

الأمر الثالث: إنكار المنكر من شرع الله –عزَّ وجل- مع اعتبارات مآلات الأفعال، وقد ذكر الإمام ابن القيّم في «الإعلام» أنّ إنكار المنكر على درجات، وهذه الدرجات، قال: أن يزول المنكر، أو أن يخف، أو أن يزول ويحلّ مثله محلّه، أو أن يترتّب عليه منكر أكبر منه، فقال: الدرجة الأولى والثانية واجبة، والثالثة محل نظر، والرابعة حرام، إذا أنكرت فزال المنكر أو خف، فهذا واجب، إذا زال المنكر وترتّب على إنكارك منكر بمقداره، فهذه الدرجة الثالثة محل نظر، فإذا زاد فهذا أمر ليس بمشروع. معاقبة النبيّ –صلى الله عليه وسلّم- الكفار بحرمانهم من نخيلهم. . . إلى آخرة ثابت في «الصحيحين»، فثابت مثلاً في «صحيح الإمام مسلم» أنهم لمّا نقضوا العهد حاصرهم النبيّ –صلى الله عليه وسلّم- أعني بني النضير-، وقطع نخيلهم وحرَّقه، وثبت في حصار الطائف -بعد فتح مكة- مثله وهو عند البخاري في (المغازي)، وعند مسلم في (الجهاد)، فذكر ابن سعد قصّتهم فقال: «فحاصرهم رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-، وأمر بقطع أعناب ثقيف وتحريقها، فوقع المسلمون فيها يقطعون قطعاً ذريعاً»، قال الإمام ابن القيّم في «الزاد» على أثر هذه الفائدة، قال: «وفيه جواز قطع شجر الكفّار إذا كان ذلك يُضعفهم، ويُغيظهم، ويُنكي بهم»، إذا كان يترتب على ذلك إغاظة وضعف لهم فلا حرج.

وجدت كلمة –أو سؤالاً- لشيخنا الألباني -رحمه الله-، فهو من ضمن سلسلة الهدى والنور في شريط رقم (190)، يُسئل الشيخ -رحمه الله- في وقت اعتداء بلغاريا على المسلمين، دولة بلغاريا لمّا اعتدت على المسلمين الذين هم فيها، فسئل الشيخ في الشريط عن حكم أكل اللحم البلغاري، أذكر لكم جوابه بالنصّ، يقول الشيخ ما نصّه: «أنا حقيقة أتعجب من الناس، اللحم البلغاري بلينا به منذ سنين طويلة كل هذه السنين أما آن للمسلمين أن يفهموا شو حكم هذا اللحم البلغاري؟ أمر عجيب! فأنا أقول لابد أنكم سمعتم إذا كنتم في شك وفي ريب من أنّ هذه الذبائح تذبح على الطريقة الإسلامية، أو لا تذبح على الطريقة الإسلامية، فلستم في شك بأنهم يذبحون إخواننا المسلمين، هناك الأتراك المقيمين منذ زمن طويل يذبحونهم ذبح النعاج، فلو كان البلغاريون يذبحون هذه الذبائح التي نستوردها منهم ذبحاً شرعيّاً حقيقةً أنا أقول: لايجوز لنا أن تستورده بل يجب علينا أن نقاطعهم حتى يتراجعوا عن سفك دماء إخواننا المسلمين هناك، فسبحان الله مات شعور الأخوة التي وصفها الرسول –صلى الله عليه وسلّم- بأنها كالجسد الواحد: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» لم يعد المسلمون يحسون بآلام إخوانهم فانقطعت الصلات الإسلامية بينهم، ولذلك همهم السؤال أيجوز أكل اللحم البلغاري؟! لك يا أخي أنت عرفت إن البلغار يذبحون المسلمين هناك، ولا فرق بين مسلم عربي ومسلم تركي ومسلم أفغاني إلى آخره، والأمر كما قال الله -تعالى- {إنما المؤمنون إخوة}، فإذا كنا إخوانا فيجب أن يغار بعضنا على بعض، ويحزن بعضنا لبعض، ولا نهتم بالمأكل والمشرب فقط»، وأتمّم كلامه يقول: «فلو فرضنا أن إنساناً ما اقتنع بأن اللحم البلغاري فطيسة .. حكمها فطيسة؛ لأنها تقتل ولا تذبح، لا نستطيع أن نقنع الناس بكل رأي؛ لأن الناس لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك -كما جاء في القرآن الكريم-، فإذا كنّا لانستطيع أن نقنع الناس بأنّ هذه اللحوم التي تأتينا من بلغاريا هي حكمها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير