تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والقناع عند العرب معروف بكونه غطاء الوجه، وهاكم أدلة على هذا:

1. المقنع الكندي، إنما عرف بهذا اللقب، لأنه كان يغطي وجهه ببرقع من حرير، كما ذكر البغدادي في كتابه [الفرق بين الفرق ص243]، وزعم أنه إله، وأنه لو كشف وجهه لم يحتمل أحد رؤيته [الموسوعة الفلسفية 2/ 323].

2. ذكر اليعقوبي في تاريخه [2/ 315]: "وكانت العرب تحضر سوق عكاظ وعلى وجوهها البراقع، فيقال: إن أول عربي كشف قناعه ظريف بن غنم العنبري".

3. المثل السائر: "ألقى عن وجهه قناع الحياء" [لسان العرب 11/ 323، مادة: قنع].

ولعل كذلك مما دعا الشيخ ليتبنى هذا الرأي، هو ما جاء في الآثار من ذكر الرأس والجبين، دون الوجه.

وإذا تأمل المرء القناع، عرف أنه لا بد فيه من شد على الجبين والرأس، فبدونه لا يكون، وإذا كان كذلك فليس بعيدا أن يذكر الشد على الرأس والجبين، ويستغنى به عن ذكر الوجه، لأن هذا لازم لهذا.

فأقوال هؤلاء الأئمة ليس فيها المنع من تغطية الوجه، وذكرهم القناع دليل على أنهم أرادوا تغطية الوجه. فإذا اعترض أحد فقال: ليس في هذه الأقوال التصريح بتغطية الوجه.

قيل: وليس فيها التصريح بكشف الوجه، فيبقى محتملا، وعندنا ما يرجح التغطية، وهو ذكر القناع، فيحمل عليه إذن.

مضى ذكر الأثرين، وهما صريحان في التغطية، غير أن الشيخ مال إلى تضعيفهما، فقال في أثر ابن عباس:

"لا يصح هذا عن ابن عباس، لأن الطبري رواه من طريق علي عنه، وعلي هذا هو ابن أبي طلحة، كما علقه عنه ابن كثير، وهو مع أنه تكلم فيه بعض الأئمة، لم يسمع من ابن عباس، بل لم يره، وقد قيل: بينهما مجاهد، فإن صح هذا في هذا الأثر فهو متصل، لكن في الطريق إليه أبو صالح، واسمه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف". [جلباب المرأة 88]

فالشيخ إذن رد هذا الأثر من جهتين: من جهة علي ابن أبي طلحة، ومن جهة عبد الله بن صالح.

فأما علي بن أبي طلحة، فقد ذكر الشيخ أنه إن صح أخذه التفسير من مجاهد فهو متصل، وهذا هو ما كان، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 134):

"أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدا، بل أرسله عن ابن عباس".

فهذه شهادة باتصال تفسيره إلى ابن عباس، هذا وإن رواية علي هذه من الروايات المقبولة والمعتبرة عند المحدثين، قال السيوطي [في الإتقان في علوم القرآن 2/ 241]:

"وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي، عنه قال أحمد بن حنبل:

بمصر صحيفة في تفسير، رواها علي ابن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر، قاصدا، ما كان كثيرا.

أسنده أبو جعفر في ناسخه. قال ابن حجر:

وهذه النسخة كانت عند أبي صالح، كاتب الليث، رواها معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرا، فيما يعلقه عن ابن عباس، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح.

وقال قوم: لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير. قال ابن حجر: بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك" [5].

وذكر ابن حجر في كتابه [العجاب في بيان الأسباب ص57 - 58] فقال: "ومن طريق: معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وعلي: صدوق. لم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، يعتمدون على هذه النسخة".

وابن حجر نفسه يحتج بهذه الرواية ويصححها، ففي الفتح [13/ 271] قال:

"وأخرج الطبري بسند صحيح عن عاصم، عن أبيه عن ابن عباس ... ثم أخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بسند صحيح، قال: الأب: الثمار الرطبة".

إذن لا وجه للطعن في هذه الرواية، فهي ثابتة، عمل بها الأئمة، واحتجوا بها، وليس بعد قول الإمام أحمد والبخاري وابن حاتم وابن حجر فيها قول.

أما عبد الله بن صالح، فقد نقل الذهبي أقوال الأئمة فيه، بين مجرح ومعدل (ميزان الاعتدال 2/ 440 - 442)، فالشيخ قال: فيه ضعف، وهذه إشارة إلى أن ضعفه ليس بالشديد، وهكذا قال أبو زرعة:

"لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب، وكان حسن الحديث".

"وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير