تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الترمذي: قال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن (). وقال ابن عبد البر: قال آخرون: إنما ورد النسخ في زيارة القبور للنساء لا للرجال لأن رسول الله ? لعن زوارات القبور، ونحن على يقين من تحريم زيارة النساء للقبور بذلك ولسنا على يقين من الإباحة لهن لأنه ممكن أن تكون الزيارة أبيحت للرجال دونهن للقصد في ذلك باللعن إليهن ().

وقال الشوكاني: ويجمع بين الأدلة بأن المنع لمن كانت تفعل في الزيارة ما لا يجوز من نوح وغيره والإذن لمن لم تفعل ذلك ().

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإذا قيل مفسدة الاتباع للجنائز أعظم من مفسدة الزيارة لأن المصيبة حديثة وفي ذلك أذى للميت وفتنة للحى بأصواتهن وصورهن قيل ومطلق الاتباع أعظم من مصلحة الزيارة لأن في ذلك الصلاة عليه التى هي أعظم من مجرد الدعاء ولأن المقصود بالاتباع الحمل والدفن والصلاة فرض على الكفاية وليس شيء من الزيارة فرضاً على الكفاية وذلك الفرض يشترك فيه الرجال والنساء بحيث لو مات رجل وليس عنده إلا نساء لكان حمله ودفنه والصلاة عليه فرضاً عليهن وفى تغسيلهن للرجال نزاع وتفصيل وكذلك إذا تعذر غسل الميت هل ييمم فيه نزاع معروف وهو قولان فى مذهب أحمد وغيره فإذا كان النساء منهيات عما جنسه فرض على الكفاية ومصلحته أعظم إذا قام به الرجال فما ليس بفرض على أحد أولى، وقول القائل مفسدة التشييع أعظم ممنوع بل إذا رخص للمرأة فى الزيارة كان ذلك مظنة تكرير ذلك فتعظم فيه المفسدة ويتجدد الجزع والأذى للميت فكان ذلك مظنة قصد الرجال لهن والافتتان بهن كما هو الواقع فى كثير من الأمصار فإنه يقع بسبب زيارة النساء القبور من الفتنة والفواحش والفساد ما لا يقع شيء منه عند اتباع الجنائز، وهذا كله يبين أن جنس زيارة النساء أعظم من جنس اتباعهن وأن نهي الاتباع إذا كان نهي تنزيه لم يمنع أن يكون نهي الزيارة نهي تحريم وذلك أن نهي المرأة عن الاتباع قد يتعذر لفرط الجزع كما يتعذر تسكينهن لفرط الجزع أيضا فإذا خفف هذه القوة المقتضى لم يلزم تخفيف ما لايقوى المقتضى فيه وإذا عفا الله تعالى للعبد عما لا يمكن تركه الا بمشقة عظيمة لم يلزم أن يعفو له عما يمكنه تركه بدون هذه المشقة الواجبة (). وقال ابن القيم: وأما النساء فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة، وكذلك اتباعهن الجنازة وزر لا أجر لهن فيه إذ لا مصلحة لهن ولا للميت في اتباعهن لها بل فيه مفسدة للحي والميت ().

استدل أصحاب الثالث: بأن النساء الشابات لا تؤمن عليهن الفتنة وبهن حيث خرجن ولا شيء للمرأة أفضل من لزوم قعر بيتها، وأما القواعد منهن فمرخص لها إذا أمنت الفتنة (). استدل أصحاب القول الرابع بما استدل به أصحاب القول الأول إلا أنهم حملوا الأمر بزيارة القبور في قوله: (فزوروها) على الوجوب.

المناقشة والترجيح:

بعد النظر في أدلة أصحاب هذه الأقوال الأربعة تبين لي ما يأتي:

الأول: أنما استدل به أصحاب القول الأول صحيح صريح، وهو نص في محل النزاع. ومن أصرح شيء في ذلك تعليمه ? لعائشة دعاء زيارة القبور على ما في حديث عائشة المتقدم عند مسلم وغيره، وكذلك إقراره ? للمرأة المصابة على ما في حديث أنس بن مالك ? فإنه أنكر عليها البكاء عند المصيبة وأقرها على زيارتها للقبر، وكذلك أمره ? بقوله: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها على ما في حديث عبد الله بن بريدة وغيره فهذا عام يتناول الرجال والنساء على السواء، وكذلك من الناحية العملية زيارة عائشة رضي الله عنها قبر أخيها عبد الرحمن، وزيارة فاطمة رضي الله عنها قبر عمها حمزة ?، قال عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها أليس كان رسول الله ? نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير