تلك فضيلة خص بها رسول الله صلى الله عليه و سلم،ولا يجوز عند اهل العلم في فضائله النسخ ولا الخصوص ولا الاستثناء وذلك في غير فضائله،إذا كان أمرا أو نهيا، أو في معنى الأمر والنهي .....
قال:وبهذا يستبين أن الناسخ منها هو قوله صلى الله عليه و سلم] جعلت لي الأرض مسجدا طهورا [
وقوله لأبي ذر:] حيثما أدركتك الصلاة فصلِّ فإن الأرض كلها مسجد [(1)
وقال في موضع آخر من " التمهيد " (5/ 221):فلو صحّ-يعني حديث الاستثناء-لكان معناه أن يكون متقدما لقوله:] جعلت لي الأرض كلها مسجدا طهورا [ويكون هذا القول متأخرا عنه،فيكون زيادة فيما فضله الله به صلى الله عليه و سلم.
ثم ذكر حديث حذيفة يرفعه:] فضلنا على الناس بثلاث جعلت الأرض كلها لنا مسجدا وجعلت تربتها طهورا .... [الحديث (2)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله،في التعليق على حديث] جعلت لي الأرض مسجدا [:الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه (3)
قلت: ومما يدل على تأخر حديث] جعلت لي الأرض مسجدا [أن النبي e بذلك منصرفه من غزوة التبوك، كما في رواية عمرو بن شعيب عند أحمد بسند حسن (4)
(1) رواه أحمد والطبراني بنحوه (المجمع 8/ 259)
(2) رواه مسلم في كتاب (المساجد) باب: مواضع الصلاة الحديث (4)
(3) (فتح الباري) (1/ 533)
(4) (فتح الباري) (1/ 4246)
الفضائل لا تخصص
ودليل قول أهل العلم ان الفضائل لا يجوز فيها الخصوص،هو الاستقراء.
قال ابن عبد البر:ألا ترى أنه قال –يعني صلى الله عليه و سلم-] ما أدري ما يفعل بي ولا بكم [(1)
ثم نزلت:] ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [
وسمع رجل يقول له: يا خير البرية! فقال:] ذاك إبراهيم! [،وقال:] السيد هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ثم قال بعد ذلك كله،أنا سيد ولد آدم ولا فخر! [.اهـ
(1) -قال محقق التمهيد: يشير إلى قوله تعالى في سورة الأحقاف " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " اهـ
قلت:بل يشير إلى قوله صلى الله عليه و سلم e في الحديث:" والله ما أدري-وأنا رسول الله-ما يفعل بي! " رواه البخاري برقم (1243) ورواه عبد بن حميد بلفظ المنصف.
قلت:ومنها قوله صلى الله عليه و سلم في أولاد المشركين:] الله أعلم بما كنوا عاملين [(1)
ثم قال:] سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم! [(2) ويعني باللاهين الأطفال.
وقال- صلى الله عليه و سلم-:] يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب [(3)
ثم قال:] استزدت ربي فزادني مع كل الف سبعين ألفا [(4) ثم قال بعد ذلك:] وعدني ربي أن يدخل الجنة من امتي سبعين الفا،لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي [(5)
ومنها قوله صلى الله عليه و سلم:] أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة [(6)، ثم قال:] أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة،وأربعون من سائر الأمم! [(7)
(1) - رواه البحاري برقم (1384) (2) - رواه ابو يعلى واسناده حسن.كذا في (الفتح 2/ 246)
(3) - رواه البخاري برقم (6542) (4) - أحمد وغيره وسنده جيد كما في (الفتح 11/ 410)
(5) - رواه الترميذي وحسنه وابن حيان وصححه عن حديث أبي أمامة (6) - الترميذي في باب: ما جاء في وصف أهل الجنة من حديث أبي مسعود وصححه. (7) - الترميذي في نفس الباب من حديث بريدة وحسنه.
يعني أن هذه الأمة ثلااثة أرباع اهل الجنة !!!
وهذا باب طويل،لو استقصناه لضاق المقام، وصرفنا عن بلوغ المرام، وحسبنا أننا ذكرنا ما يكفي أن يكون دليلا على أن فضائله-صلى الله عليه وسلم- لا تخصص،ولا يطرأ عليها النقصان بل هي في ازديادإلى أن لقي الله تعالى.وكل كلام يخالف هذا فسببه الذهول عن هذه النكتة الطيفة والقاعدة العظيمة.
تحقيق معنى المقبرة
3 - الوجه الثالث: لرد الإعتراض بحديث ? الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ?،على تقدير صحته وصلاحه للتخصيص، ودون ذلك خر القتاد،وهو لغوي يبحث في معنى (لمقبرة) عند أهل اللغة. فاعلم أنها تطلق عندهم على الموضع الذي يضم الأجداث قال في: (القاموس): المقبرة موضع القبور.
قلت:وفي التنزيل: ? ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ?، أي صرتم إلى القبور ودفنتم فيها.
¥