لأنّ دعوته كانت موجّهة أيضاً لمن انغمس في بيئة معيّنة وتأثّرت تصوّراته وتوجّهاته النّفسيّة وارتبطت بالألفاظ الّتي اعتاد سماعها، فاحتاج الدّاعية أن يوصل له المعاني الشرعية في قالب لفظي لا ينفر منه قلبه ولا سمعه، فإذا عرف المعنى الشرعي وتأصّل في قلبه تأتي مرحلة تصحيح الألفاظ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فالواجب أن ينظر في هذا الباب فما أثبته الله ورسوله أثبتناه وما نفاه الله ورسوله نفيناه والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفى فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني وننفى ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني وأما الألفاظ التي تنازع فيها من ابتدعها من المتأخرين مثل لفظ الجسم والجوهر والمتحيز والجهة ونحو ذلك فلا تطلق نفيا ولا إثباتا حتى ينظر في مقصود قائلها فإن كان قد أراد بالنفى والإثبات معنى صحيحا موافقا لما أخبر به الرسول صوب المعنى الذي قصده بلفظه ولكن ينبغي أن يعبر عنه بألفاظ النصوص لا يعدل إلى هذه الألفاظ المبتدعة المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد بها والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها وأما إن أريد بها معنى باطل نفى ذلك المعنى وإن جمع بين حق وباطل أثبت الحق وأبطل الباطل) (منهاج السّنّة 2/ 554)
قال شيخ الإسلام: (وأما من جهة العقل فلأنّ اللفظ مجمل يدخل فيه نافيه معاني يجب أثباتها لله ويدخل فيه مثبته ما ينزه الله تعالى عنه فإذا لم يدر مراد المتكلم به لم ينف ولم يثبت وإذا فسر مراده قبل الحق وعبر عنه بالعبارات الشرعية ورد الباطل وإن تكلم بلفظ لم يرد عن الشارع للحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته مع ظهور المعنى الصحيح لم يكن بذلك بأس فإنه يجوز ترجمة القرآن والحديث للحاجة إلى الإفهام وكثير ممن قد تعود عبارة معينة إن لم يخاطب بها لم يفهم ولم يظهر له صحة القول وفساده وربما نسب المخاطب إلى أنه لا يفهم ما يقول
وأكثر الخائضين في الكلام والفلسفة من هذا الضرب ترى أحدهم يذكر له المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلونها لظنهم أن في عبارتهم من المعاني ما ليس في تلك فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع وصيغ بلغتهم وبين به بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي خضعوا لذلك وأذعنوا له كالتركي والبربري والرومي والفارسي الذي يخاطبه بالقرآن العربي ويفسره فلا يفهمه حتى يترجم له شيئا بلغته فيعظم سروره وفرحه ويقبل الحق ويرجع عن باطله لأن المعاني التي جاء بها الرسول أكمل المعاني وأحسنها وأصحها لكن هذا يحتاج إلى كمال المعرفة لهذا ولهذا كالترجمان الذي يريد أن يكون حاذقا في فهم اللغتين) (منهاج السّنّة 2/ 612)
وقد قرره في مواضع كثيرة من كتبه وبألفاظ أصرح وما هنا كافٍ في المقصود.
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[25 - 12 - 02, 02:25 م]ـ
إخي ابن وهب فكلام ابن القيم ما فهمت منه شيء فعباراته صعبة رحمه الله خاصة (أي يشهد فناء كل ما سوى الحق تعالى في وجود الحق ثم يشهد الفناء قد فنى أيضا ثم يفنى عن شهود الفناء فذلك هو الفناء حقا وقوله شائما برق العين
يعني ناظرا إلى عين الجمع فإذا شام برقه من بعد انتقل من ذلك إلى ركوب لجة بحر الجمع وركوبه إياها هو فناؤه في جمعه
ويعني بالجمع الحقيقة الكونية القدرية التي يجتمع فيها جميع المتفرقات وتشمير القوم إلى شهودها والإستغراق والفناء فيها هو غاية السلوك والمعرفة عندهم
وسنذكر إن شاء الله تعالى أن العبد لا يدخل بهذا الفناء والشهود في الإسلام فضلا أن يكون به من المؤمنين فضلا أن يكون به من خاصة أولياء الله المقربين فإن هذا شهود مشترك لأمر أقر به عباد الأصنام وسائر أهل الملل أنه لا خالق إلا الله) فا سأل الله أن يعيني على فهمه، وبارك الله فيك كلام ابن تيمية جداً واضح.
وإلى الأخ علي الأسمري جزاه الله خيراً بين لنا وجه اعتراضك على التقسيم.
وإلى الأخ العزيز بالله حفظك الله وسدد خطاك إلى الحق.
والأخوان أبو عمر السمرقندي وأبو خالد السلمي جزاكما الله خيراً. وأبشر يا أبا خالد بما طلبت.
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[25 - 12 - 02, 02:41 م]ـ
وهناك الفناء الفلسفي وهذا دليل تأثير التصوف حتى على اهل الفلسفة الذين يعظمون العقول .... مع ان التصوف يقف في طرف نقيض الفلسفة في اكثر الجهات.
فقد قال الفارابي بالفناء العقلي ... وهو مشابه للفناء الصوفي الروحي وهذه من عجائب المعارضات وغرائب المشابهات ......
أما فيما يتعلق بلفظ القديم فيجوز اطلاقه من جهة الخبر لا من جهة الانشاء والتسمية لان اسماء الله توقيفية ....
لكن يجوز من باب الخبر ان تقول ان الله موجود ... لكن ينظر الى هذه المعاني .. وقد ذكر ذلك ابن القيم في النونية لكني لا احفظ الابيات ...
أما تفسير كلام ابن القيم اخي الحبيب فقوله (أي يشهد فناء كل ما سوى الحق تعالى في وجود الحق)
فيفني كل شئ في الحق تبارك وتعالي ....
وقوله (ثم يشهد الفناء قد فنى أيضا) فيفني الفناء نفسه بعد ما افنى ما سواه.
ثم قال (ثم يفنى عن شهود الفناء) وذلك بعد ان فنى ثم فنى الفناء نفسه ثم يفنى عن شهود فناء الفناء.
أما قوله (شائما برق العين
يعني ناظرا إلى عين الجمع فإذا شام برقه من بعد انتقل من ذلك إلى ركوب لجة بحر الجمع وركوبه إياها هو فناؤه في جمعه)
فأنه قبل الفناء يكون الجمع للفناء فهو يشاهد الجمع ثم يدخل ففي لجة الجمع فيكون مع الفناء .. ويحصل له ذلك هنا.
هذا ما يظهر لي من معنى كلامه .... ولغة الترميز وتشتيت المعاني من اهم ما يميز الصوفية حتى ان قصائد الغزل الفاحشة لها معاني عندهم رائقة في محبة العزيز الحكيم حتى وصف الخدود والقدود انما هو بمعنى الحب والتعبد نسأل الله العافيه ......