زعم شيخ الأزهر أن النقاب لا يمت إلى الإسلام بصلة، وأنه من العادات، وبالغ في تقرير ذلك بالقول والفعل وتشدد فيه، وهو – بلا ريب – لا يجهل الحكم الشرعي، فلماذا فعل ذلك؟ أنا على يقين أن فضيلته تعمد أن يتجاهل مسألة يعرف كل طلاب العلم، بل و كثير من العامة أيضاً، أن هناك خلافاً فيها، وأن كتب العلم، في التفسير والفقه والحديث، قد نقلت لنا ذلك الخلاف، بغض النظر عن اختلافنا معه في ترجيح أي من تلك المذاهب والأقوال.
وإذا كان شيخ الأزهر قد قصد أن يتجاهل وجود الخلاف، فهل يستطيع فضيلته أن يلغي ذلك الخلاف أيضاً من مقررات الأزهر؟ هل يجرؤ أن يحذف من كتب التفسير سواء كانت من مقررات الأزهر، أم كانت من المراجع التي تزخر بها مكتباته العامة، ما ذكره علماء التفسير عند تفسير الآيات الثلاث من سورتي النور والأحزاب؟ وهل يستطيع شيخ الأزهر، كذلك، أن يحذف ما نقله الفقهاء في كتابي الصلاة والحج، عن حكم غطاء المرأة وجهها؟
سأنقل إليك أخي القارئ بعض ما ذكرته كتب التفسير المشهورة في تفسير آيات الحجاب الثلاث، لتعلم أن شيخ الأزهر لم يجهل المسألة بل تجاهلها.
تفسير آية النور رقم 31
قال الله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... } الآية.
قال ابن جرير الطبري " وقوله {ولا يبدين زينتهن} يقول تعالى ذكره: ولا يظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهن، وهما زينتان، إحداهما ما خفي، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد. والأخرى ماظهر منها، وذلك مختلف في المعنيِّ منه بهذه الآية، فكان بعضهم يقول زينة الثياب الظاهرة ".
ثم أسند ابن جرير هذا القول إلى ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحسن البصري. ثم قال " وقال آخرون: الظاهر من الزينة التي أبيح لها أن تبديه: الكحل والخاتم والسواران والوجه ".
ثم أسند هذا القول إلى ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة.
ثم قال ابن جرير بعد أن ذكر قولاً ثالثاً " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بذلك الوجه والكفان، يدخل في ذلك، إذا كان كذلك، الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لإجماع الجميع على أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها ... " الخ. انظر تفسير ابن جرير [9/ 303 – 306].
قال سمير: ابن جرير الطبري شيخ المفسرين، وأقدمهم وإمامهم، وقد توفي سنة 310هـ وتفسيره من أكبر وأشهر التفاسير، وكل من جاء بعده استفاد منه، وقد حكى الخلاف في تفسير الآية عن الصحابة والتابعين، فكيف يتجاهل شيخ الأزهر هذا الخلاف، مع قدمه و شهرته وشهرة القائلين به من السلف؟.
وقال القرطبي " أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، حذاراً من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة.
واختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب. وزاد ابن جبير: الوجه.
وقال سعيد بن جبير أيضاً، وعطاء والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب. وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ، ونحو هذا، فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس .. "
إلى أن قال " قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية، أن المرأة مأمورة بألا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة.
ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. فما ظهر على هذا الوجه، مما تؤدي إليه الضرورة في النساء، فهو المعفو عنه.
قلت (أي القرطبي): هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما.
¥