ثم إن أصحاب تلك الحكايات ليسوا ممن يحتج بقولهم، فهم ليسوا بأنبياء ولا صحابة ولا الأئمة المجتهدين المشهورين، والدين لا يثبت بفعل أمثال من ذكرهم من العوام والجهلة وبعض المتصوفة الغلاة، وقد ذكرنا سابقاً أن الدليل ينبغي أن يكون من الكتاب والسنة وإجماع المجتهدين والفقهاء).
ولعله من المناسب أن نبين تفسير الأعلام للآية الواردة في حديث الأعرابي الذي بان أنه كذب:
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[23 - 11 - 06, 09:06 م]ـ
إتحاف أهل السنة والجماعة بالرد على من استدل على هذه الآية بجواز الاستغاثة
يستدل بعض أهل البدع بتوسلات بدعية، على فهمٍ غير صائب
{ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}
لو تتبعنا الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها؛ لوجدناها تخاطب المنافقين، وهذه الآية نزلت في قوم نافقوا بصدهم عن حكم النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وتحاكمهم إلى الطاغوت؛ فبين الله تعالى أنهم لو اعترفوا بذنوبهم، وتابوا منه بمجيئهم إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- واستغفروا الله تعالى من هذا الذنب، ثم استغفر لهم الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شافعا فيهم لتقبل توبتهم؛ لكان الجزاء المذكور.
وكل هذا كان في حياة النبي-صلى الله وعلى آله وسلم-ولم يرد في كتب التفسير ولا غيرها من كتب أهل العلم، عن أئمة السلف الصالح من أهل التفسير والحديث والفقه أن ذلك حدث بعد وفاته –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما استدلال المخالفين لأهل السنة؛ بأن الآية تدل على المجيء إلى قبر النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وطلب الاستغفار والشفاعة منه في مغفرة الذنوب .. ونحوه؛ فهو استدلال باطل وقول فاسد يدل على سقم في الفهم، وبعد عن حقيقة التوحيد.
والصحابة - رضي الله عنهم – لم يفهموا هذا الفهم الخاطئ من هذه الآية، ولذا لم ينقل عنهم المجيء إلى قبره – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لطلب الاستغفار منه، وقد وقع منهم ظلم لأنفسهم بعد وفاته –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قطعا؛ فدل هذا على أن فهم المخالفين لأهل السنة فهم فاسد مردود.
قال الإمام الطبري –رحمه الله- عن تفسير هذه الآية:
(يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين، الذين إذا دُعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدَّوا صدوداً، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياهم العظيم من الإثم باحتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسُنَّة رسوله، إذا دعوا إليها جاؤوك يا محمَّد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك، جاؤوك تائبين منيبين؛ فأسالوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم، وسأل لهم الله رسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مثل ذلك، وذلك هو معنى قوله: {فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول})
"أنظر تفسير الطبري 4/ 157"
وقال علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي-رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة:
({ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} هذا الظلم العظيم غاية العظم؛ إذْ عرضوها لعذابٍ، على عذاب ترك النفاق، بترك طاعتك والتحاكم إلى الطاغوت {جاؤوك} تائبين من النفاق متنصلين عمَّا ارتكبوا {فاستغفروا الله} من ذلك وتابوا إليه تعالى من صنيعهم {واستغفر لهم الرسول} أي؛ دعا لهم بالمغفرة، فكان استغفاره شفاعةً لقبول استغفارهم {لوجدوا الله تواباً} أي؛ قابلاً لتوبتهم {رحيماً} أي؛ متفضلاً عليهم بالرحمة وراء قبول التوبة).
"أنظر تفسير القاسمي محاسن التأويل 5/ 272"
وقال العلامة المفسر الفقيه عبدالرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله تعالى- عن تفسير هذه الآية:
({فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} أي: لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها، والثواب عليها.
وهذا المجيء إلى الرسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مختص بحياته؛ لأنَّ السياق يدلُّ على ذلك، لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلاَّ في حياته، وأمَّا بعد موته، فإنه لا يطلب منه شيء؛ بل ذلك شرك).
أنظر تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الآية 64 من سورة النساء"
¥