وعلى كل سوف نأتي عند البحث في سند هذا الحديث، على تفصيل تام لترجمة العتبي.
2 - إن الرواية الأولى ورواية العتبي تتفقان في إيراد لفظ تلاوة الأعرابيي للآية الكريمة: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً}.
ولقد أجبنا على استدلالهم بهذه الآية الكريمة على جواز التوسل بذوات المخلوقين من أنه في غير محله، وأنه لا قياس بين حياة الرسول وموته، فما يمكن أن يفعله في حياته، قد انقطع بسبب وفاته. فارجع يا أخي إلى معالجة ذلك فيما ذكرناه وعالجناه في الرواية الأولى، مع العلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في بعض المنافقين، لا من أجل جواز التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - أن رواية العتبي ليس فيها أن الأعرابي رمى نفسه فوق القبر، وحثا على رأسه من ترابه كما في الرواية الأولى. فهذا اختلاف في اللفظ واضطراب في وصف الحادثة، فلو كان العتبي حاضراً فيها لوصفها كما وصفت في الرواية الأولى فوقوع هذا الاختلاف والاضطراب بين الروايتين علة طاعنة ومانعة من صحة الحديث والاحتجاج به.
4 - قول الأعرابي في الرواية الأولى: "وقد ظلمت نفسي وجئتك مستغفراً" وقول العتبي أن الأعرابي قال: " وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي" ولم يقل فيها: "وقد ظلمت نفسي".
وفي الرواية الأولى يقول الأعرابي: "وجئتك مستغفراً" وفي رواية العتبي "وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي". إنهما قد ترافقا بين العبارتين المتعلقتين بالمجيء من أجل الاستغفار. وجاءت زيادة في رواية العتبي "مستشفعاً بك إلى ربي".
وهنا يجب الوقوف عند قول الروايتين "وجئتك مستغفراً" في الرواية الأولى "وجئتك مستغفراً لذنبي" في رواية العتبي فبصرف النظر عن الاختلاف والاضطراب في لفظ الروايتين؛ إن خطراً كبيراً يهون بجانبه خطر التوسل بذوات المخلوقين، قد ذر قرنه من قوله "وجئتك مستغفراً" أو "قد جئتك مستغفراً لذنبي" إن الكلام الوارد في كلا الروايتين يوهم –إن لم نقل يؤكد- أن الأعرابي إنما جاء القبر ليستغفر الرسول من ذنبه! بينما الآية التي يستشهدون بها تقول: {ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله} لا فاستغفروك!!! لأن الاستغفار عبادة له تعالى، فلا يجوز استغفار أحد من المخلوقين .. حتى ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفار رسول الله عبادة له، والعبادة لا تليق إلا بالله تعالى وحده لا شريك له. إذاً فاستغفار الرسول شرك بالله تعالى.
أما مراد الآية: فهو المجيء إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، وإشهاده على استغفارهم الله من الذنب، ثم الطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله لهم، وليس فيها قطعاً ذكر المجيء إليه صلى الله عليه وسلم من أجل أن يستغفره هو من الذنب.
5 - إن الزيادة الواردة في قول العتبي "مستشفعاً بك إلى ربي"، هذا طلب لا يجوز توجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. إذا كيف يشفع وهو منقطع العمل بسبب وفاته؟ ثم كيف يشفع ولم يصدر الإذن بالشفاعة من الله تعالى ولن يصدر الإذن إلا يوم القيامة لمن يشاء ويرضى .. وهذه ولا شك عقائد ومعلومات بدهية لا يعذر المسلم في الجهل بها .. فضلاً عن وقوع ذلك في زمن الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس وخاصة أمام على علم شامخ من أعلامهم وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
6 - قول الرواية الأولى: "فنودي من القبر [أنه قد غفر له] " بينما يقول العتبي في الرواية الثانية: "ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني .. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: [يا عتبي إلحق بالأعرابي فبشره أن الله قد غفر له] ".
لا شك يا أخي أنك قد أدركت الفارق بين اللفظين رواية تقول: أن الرسول قد ناداه من القبر "إنه قد غفر له" رواية تقول: أن الرسول أتى العتبي في المنام وأمره أن يلحق بالأعرابي ويبشره بأن الله قد غفر له.
فإذا كان الرسول قد بلغه شفهياً بأن الله قد غفر له فما حاجته بتكليف العتبي أن يبشره مباشرة منه صلى الله عليه وسلم وأما أن يبلغها من العتبي، أما من الطرفين فيكون من التكرار الذي لا طائل تحته.
وإذا كان من الممكن نداء الرسول للأعرابي وتبليغه مباشرة فلماذا يستعين بالعتبي ويأتيه بالمنام ويستلحقه بالأعرابي ليبشره؟!
¥