ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[23 - 11 - 06, 09:14 م]ـ
سؤال يفرض نفسه
وأثناء نقاشنا وبياننا الواضح هناك سؤال يفرض نفسه هل خرجت هذه الحكاية المكذوبة في كتب الحديث المحترمة؟
وهل حين يذكرها هو يحتج بها؟ وهل هو يصححها؟
وسؤال آخر هل إذا ذكرت القصة في كتب بعض أهل العلم يعتبر حجة؟
هذه أسئلة كثيرة .. وللإجابة عليها .. أقول:
يقول عبدالله بن علي في "الصراع" بعد أن ذكر الخلاف في الراوي:
( .. ولكن لا يوجد شيء من ذلك إسناد ينظر إليه، ولم تخرج كتب الحديث المحترمة، ولم يصححها أو يحسنها أحد من أهل العلم والدراية.
وإنما يذكرها بصيغة التمريض، فيقولون: يروى عن العتبي كذا.
ومثل هذا لا يقول أحد من أهل العلم: إنه يجوز للاحتجاج به.
فالحكاية باطلة من الأساس.
ولو فرض أنها صحيحة الإسناد لما دلت على شيء مما يذهبون إليه.
وذلك أن هذا فعل أعرابي من نكرات الأعراب، والأعراب ليسوا حججاً في دين الله.
ولو أن العتبي نفسه الذي شهرت عنه الحكاية فعل ذلك لما كان فعله حجة ولا مقبولاً، فكيف بفعل أعرابي يروي عن العتبي والعتبي ليس معروفاً بالحديث ولا بالدين. وقد ذكر الخطيب البغدادي في التاريخ وقال عنه: "كان صاحب أخبار ورواية للآداب، وكان من أفصح الناس .. " ولم يذكره بتزكية ولا بتوثيق ولا بحديث، وإنما ذكره بالشعر وروايته. وقال بلغني أنه مات سنة 228."
أما الإجابة على السؤال الثاني فيقول عبدالله بن علي في "الصراع":
(وذكرها شيخ الإسلام [كما سيأتي في الإجابة على السؤال الثالث] ابن تيمية في مواضع من كتبه، وقال: إنها لا تعرف إلا عن هذا الأعرابي.
قال: وبها احتج من احتج من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد.
وهذا صحيح فإن صاحب "المغني" وصاحب "الشرح الكبير" الحنبليين، وهما من كبار الفقهاء، حينما ذكرا هذا ذكراه عن العتبي عن الأعرابي. ولم يذكرا شيئاً عن ذلك عن مالك رضي الله عنه [وقد بينا كذب القصة على الإمام مالك رحمه الله مع أبي جعفر المنصور رحمه الله] ولو كانت الرواية محفوظة عندهما عن مالك لأسنداها إليه واحتجا بها، ولكان هذا أفضل من الاحتجاج بفعل ذلك الأعرابي المجهول. ولكن هذا يدل على أنهم ما كانوا يعرفون شيئاً من هذا النوع عن أمثال مالك ثم هم يذكرون الرواية على وجه التوهين، لا يذكرون لها سنداً ولا يصححونها، ولا يقولون فيها غير: " يروى عن العتبي" مثلاً فهم لا يعرفون لها سنداً، ولا يعرفون لها صحة أو ثبوتاً، وإنما يسوقونها معللة موهنة مرسلة).
وللإجابة على السؤال الثالث وهو هل حين يذكرها أحد أهل العلم تكون بذكره حجة؟!
فندع الإجابة الشافية لشيخ الإسلام في مصنف "قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق" تحقيق سليمان الغصن ص 111 - 114:
(وهكذا أهل الزيارات البدعية، منهم من يطلب من المزور دعاءه وسؤاله لربه، واستغفاره واستنصاره،ودعاءه له بالرزق، وشفاعته، ونحو ذلك، وهذا وإن كان قد ذكر بعضه طائفة من العلماء، وجعلوا قوله: {ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفروا لهمُ الرسولُ لوجدوا الله تواباً رحيماً} يتناول من يأتيه بعد الموت، فيطلب منه الاستغفار له، كما كان أصحابه يطلبون منه الاستغفار في حياته، وذكروا في ذلك حكاية لبعض الأعراب، ومناماً رآه العتبي، وقيل: بل رآه محمد بن حرب الهلالي، وهم مختلفون في الشعر المذكور فيها، فجمهور الأئمة لم يستحبوا ذلك، وإنما ذكره بعض أصحابهم، ولم يكن الصحابة يفعلون مثل هذا، ولا هو أيضاً معروف عن التابعين، ومعلوم أن كل واحد من المسلمين يطلب من مغفرة الله، وهو مأمور بالاستغفار، فإنه لا يغفر الذنوب إلا الله، قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
وفي حديث الاستفتاح الذي في الصحيح عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) رواه مسلم.
¥