تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

زعمه إذ قال: "كان ودّ على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس, ونسر على صورة طائر"، ثم قال الحافظ: "وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر، وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها والله أعلم". قلت: الذي حكم عليه بالشذوذ فهو منكر؛ لأن الواقدي متهم بالكذب فلا عبرة بروايته، وأما أصنام قريش فمنها اللات، والعزى، والهبل, وأساف, ونائلة, فهي أيضا أسماء لرجال صالحين, قال الإمام ابن الأثير في النهاية: "وفي حديث مجاهد في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} قال: "كان رجل يلت السويق لهم"، يريد أن أصله (اللاّت) بالتشديد؛ لأن الصنم سمي باسم الذي كان يلتّ السويق عند الأصنام، أي يخلطه فخُفِّفَ، وجعل اسما للصنم". وقد أخرج البخاري في الصحيح بإسناد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {اللاَّتَ وَالْعُزَّى}: "كان اللات رجلا يلتّ السويق للحاج" , وقال الحافظ في الفتح: "وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: - ولفظه فيه زيادة - "كان يلتّ السويق على الحجر، فلا يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه"، واختلف في اسم هذا الرجل, فروى الفاكهي من طريق مجاهد قال: "كان رجل في الجاهلية على صخرة بالطائف، وعليها له غنم, فكان يسلو من رسلها، ويأخذ من زبيب الطائف والأقط فيجعل منه حيسا, ويطعم من يمر به من الناس، فلما مات عبدوه ثم قال الحافظ: "فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن ابن عباس: "أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت، ولكنه دخل الصخرة فعبدوها، وبنوا عليها بيتا", وقد تقدم في مناقب قريش أن عمرو بن لحي هو الذي حمل العرب على عبادة الأصنام" قلت: وهكذا سائر الأصنام التي عبدت من دون الله تعالى كانت هي علامات وشعائر فقط، وإنما العبادة كانت لمسمياتها كما روى لك حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد عرف الإمام ابن الأثير - وهو إمام في اللغة - الصنم بقوله: "قد تكرّر فيه الصنم والأصنام: وهو ما اتخذ إلها من دون الله تعالى، وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن" قلت: فعلى هذا التعريف تدخل فيه القبور وغيرها التي تعبد من دون الله تعالى، وإن كانت عبارتها راجعة إلى الشيطان لا إلى أصحابها إلا إذا كانوا راضين بها في حياتهم فهؤلاء هم الطواغيت. وقد أوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللعن على الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد, سداً للذرائع, وقطعا لوشيجة الشرك. ومن الجهل الواضح أن يقال لإنسان يدعو غير الله تعالى في أمر لا مجال للمخلوق ولا قدرة له على إنجازة ثم يكون هذا الداعي لغير الله تعالى والمستغيث بسواه موحدا ومؤمنا في نظره, كما زعم النبهاني في كتابه (شواهد الحق). نعم يجب على المسلم أن يفكر في هذه الآية الكريمة, وما في معناها, وفي سياقها البليغ الفصيح الذي لا قدرة للإنسان مطلقا أن يأتي بشيء من هذا الأسلوب البلاغي الحكيم, إذ يقول جل وعلا {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} فاستعمل جل وعلا في هذا السياق المبارك لفظة (مَنْ) وهي تستعمل لذوي العقول عند جميع أهل اللغة, ما عدا النبهاني ومن سار على نهجه في الضلالة؛ فإنه خالف اللغة العربية وقواعدها, ولقد سبق أن خالف السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام, وخالف نص القرآن الكريم، وظاهره، ومنطوقه، ومفهومه، ولو لم يكن كما ذكر, فكيف ارتضى لنفسه أن يقبل رئاسة محكمة الحقوق المدنية ببيروت، ومات عليها, وهي محكمة لا دينية ولا مذهبية, وكيف ينسب نفسه إلى الشافعي وهو بريء منه، ولقد سبق أن نقلت عن غاية الأماني في الرد على النبهاني ما قال فيه جهابذة العصر، وكيف جاز لمحب آل البيت النبوي أن يخالف النظام السماوي العادل المبارك الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند مولاه جل وعلا، فكما ارتكب النبهاني في قبوله تلك المناصب الكفرية جريمة كبيرة, ارتكب في تفسير هذه الآيات القرآنية وتحريفها على غير مراد الله جل وعلا، وعلى غير مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، إنها محنة عظيمة للإسلام أن يبتلى بأشخاص لاحظَّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير