تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لهم من العلم النبوي الصحيح؛ من علم الكتاب والسنة وإجماع الأمة من السلف الصالح, فيفتوا الناس بالضلال، والكفر، فضلوا أضلوا.

نعم لازلت في تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف بأن الأصنام لم تتخذ غاية في الدعاء والعبادة، والاستغاثة، وإنما كان مقصود كفار قريش كما أخرج البخاري وغيره رحمهم الله تعالى في دعائهم واستغاثتهم بهؤلاء الرجال الصالحين, ولهذا يقول جل وعلا في سورة الزمر: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}.

ولقد صوّر القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة وغيرها موقفهم من عبادتهم، ودعائهم لغير الله تعالى بأنهم لم يكونوا قد قصدوا دعاءهم وعبادتهم لهذه الأصنام ولا لأصحابها أي مسمياتها, وإنما كان قصدهم من ذلك العمل الشنيع أن يقرب هؤلاء الأصحاب إياهم إلى الله زلفى, فكان المقصود عندهم هو الرب جل وعلا, كما نصت آية الزمر على هذا المعنى، فلم يكن قد اعتقدوا في هذه الأصنام الحجرية وغيرها الضر والنفع ذاتيا. ولقد أوضح القرآن الكريم هذا المعنى في آية أخرى من سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. وقد أورد الإمام السيوطي في تفسيره الدر المنثور أثرا إذ قال رحمه الله تعالى: "أخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظي رضي الله تعالى عنه، في قوله تعالى {وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} , قال رحمه الله تعالى: "كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح فنشأ قوم بعدهم يأخذون كأخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: "لو صورتم صورهم، فكنتم تنظرون إليهم"، فصوروا ثم ماتوا فنشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: "إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها", فعبدوها" , قلت: فالأمر في ذلك واضح بيِّن جلي, لا يخفى على أحد إلاّ من خبثت فطرته، وبخست قريحته من عبّاد القبور والأضرحة, وقد عاملهم الشيطان نفس المعاملة التي عاملها قوم نوح ثم مع قريش، وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير مفسرا هذه الآية الكريمة {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ}: استفهام على سبيل الإنكار, والمعنى أنه لا أمر أبعدُ عن الحق، وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام فيتخذها آلهة، ويعبدها، وهي إذا دعيت لا تسمع، ولا تصح منها الإجابة لا في الحال، ولا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة" ثم قال رحمه الله تعالى: "وقال بعضهم: بل المراد عبدة الملائكة وعيسى؛ فإنهم في يوم القيامة لمظهرون عداوة هؤلاء العابدين". قلت: هذا المعنى هو الصحيح؛ لأنه يؤيده قوله تعالى {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} , وكيف يعقل وصف الأصنام وهي جمادات بالغفلة, وكيف جاز وصف الأصنام بما لا يليق إلا بالعقلاء؟ وهي لفظة (مَنْ) , وقوله {غَافِلُونَ}، أجاب الإمام الرازي عن هذا الاعتراض مع ذكره بقوله: "قلنا إنهم لمّا عبدوها، ونزّلوها منزلة من يضر وينفع صح أن يقال فيها إنها بمنزلة الغافل الذي لا يسمع، ولا يجيب"، ثم قال: وهذا هو الجواب أيضا عن قوله: "إن لفظة (مَنْ) ولفظة (هُم) كيف يليق بها" قلت: مع منزلته العلمية الكبيرة في الإسلام وباعه الطويل في الكلام والفلسفة وغيرها من العلوم, لم يصب الإجابة الصحيحة إلا في آخر كلامه إذ قال رحمه الله تعالى: "وأيضا يجوز أن يراد كل معبود من دون الله من الملائكة, وعيسى, وعزير، والأصنام, إلا أنه غُلِّب غير الأوثان على الأوثان". قلت: هذا المعنى الأخير الذي ذكره هو الوجيه والموزون لأنه أيده القرآن الكريم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير