وقال الشيخ صالح الفوزان أيضاً في الكتاب السابق ص238: (تعظيم آثار المعظمين من العلماء أو من الملوك أو من الرؤساء، بأن تُحيا هذه الآثار وترمم وتصان، فهذا العمل وسيلة من وسائل الشرك، وهذا من دين الجاهلية؛ لأنه يأتي جيل فيما بعد يقولون ـ أو يقول لهم الشيطان ـ: إن آبائكم ما احتفظوا بهذه الآثار إلا لأن فيها بركة وفيها خيراً، فيعبدونها من دول الله؛ لأن الجيل الأول هيأ لهم الأسباب، كما فعل الشيطان مع قوم نوح لما أمرهم بتصوير الصالحين لأجل أن تبعث فيهم النشاط على العبادة، فهم أسّسوا هذا الشيء بنية صالحة، ولكن جاء جيل جُهّال فعبدوها) أ ـ هـ.
ثالثاً: دعا الكاتب إلى إحياء وبناء هذه الآثار والمحافظة عليها مع إيجاد مرشدين يعلمون ويرشدون من يفعل البدع والجهالات في تلك الأماكن ويدعونهم إلى الله. ويعلمونهم العقيدة الصافية، ويصححون مفاهيمهم، ويعرفونهم بتاريخ الإسلام والمعاني التاريخية السامية ..
ويكون ذلك كله من طريق تنظيم جموع الزائرين لمشاهدة هذه الأماكن بقيادة هؤلاء المرشدين!
هذا ما ذكره الكاتب .. وهي دعوةٌ منه إلى جعل تلك الأماكن التاريخية مزارات يزورها الناس .. كما يزورون المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
وهذه الشبهة التي ذكرها الكاتب ليست وليدة العصر. بل سبقه بها من سبقه، وممن سبقه: صالح محمد جمال. كما في صحيفة (الندوة) في عددها الصادر في 24/ 5/1387هـ.
ودعا الكاتب صالح محمد جمال إلى بناء ما تهدم من الآثار مع إيجاد مرشدين يبصرون الناس.
ورد على هذا الكاتب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رداً وافياً كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله 1/ 402.
والعلاج الذي ذكره الكاتب من إحياء تلك الآثار مع إيجاد مرشدين. إنما هو طريق لإحياء البدع. والآثار الجاهلية ولكن بطريقة عصرية.
وإلا فالأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم والسلف رحمهم الله لا يعرفون هذا الطريق الذي ذكره الكاتب.
وإنما كانت طريقتهم هدم الأوثان وقطع السبل الموصلة إلى اتخاذ الأوثان آلهة تعبد مع الله ونذكر الأدلة على ذلك. وعلى بطلان الشبهة التي ذكرها الكاتب.
الدليل الأول:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم حطم الأوثان والأصنام .. فهدم اللات والعزى ومناة. مع أنها آثار قديمة.
ولم يتركها الرسول صلى الله عليه وسلم ويرسل لها مرشدين.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على تحطيم الأصنام فقط. بل والمباني والأحجار التي كانت تعبد مع الله.
وقد ذكر محمد بن إسحاق والأزرقي (كما في أخبار مكة للفاكهي 5/ 134) وغيره أن عمرو بن لحي هو أول من دعى العرب إلى عبادة الأصنام من دون الله ـ تعالى ـ، إلا أن قريشاً قبله كانوا يعظمون أحجار مكة، ويظعنون بها معهم إذا ظعنوا تعظيماً لها، حتى دعاهم عمرو بن لحي إلى عبادة الأحجار والأشجار وغير ذلك. أ ـ هـ
ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمّته عن الغلو، الذي كان سبب تغيير دين الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ مخافة ذلك؛ لأنه سريع السراية في محو سنن المرسلين، وتبديل عبادة رب العالمين بعبادة الشياطين، حتى إنه ليصعب على عابديها الخروج من ذلك.
وقد سُئِل سفيان بن عيينة: (كيف عبدت العرب الحجارة والأصنام؟ فقال: أصل عبادتهم الحجارة أنهم قالوا: البيت حجر، فحيث ما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت). وقد روى هذا الأثر بإسناده ابن الجوزي كما في تلبيس إبليس ص71.
ومما هدمه النبي صلى الله عليه وسلم من الأوثان:
1ـ العزى: قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره (27/ 59): (وأما العزى فاختلف أهل التأويل فيها فقال بعضهم: كانت شجرات يعبدونها، وقال آخرون: كان بيتاً بالطائف تعبده ثقيف، وقال آخرون: بل كانت ببطن نخلة، وقال آخرون: كانت العزى حجراً أبيض) أ ـ هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله كما في تفسيره (7/ 455): (كانت شجرة عليها بناءٌ وأستارٌ بنخلة وهي بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها) أ ـ هـ.
¥