وعند التحقيق في مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم فإني لا أعرف حديثاً بيناً ولا إجماعاً قاطعاً ولا آيةً من القرآن قبل ذلك، ولا قول صحابي يحدد مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على عدم اهتمام السلف رحمهم الله بمكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اهتموا باتباعه.
بل إن المؤرخين اختلفوا في ذلك وممن كان يرى أن المكان المذكور ليس مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي المتوفى سنة (1090هـ) حيث قال في كتابه (ماء الموائد 1/ 225) بعد ما ذكر الخلاف في مكان مولده صلى الله عليه وسلم قال: (والعجب أنهم عينوا محلا من الدار مقدار مضجع، وقالوا له: موضع ولادته صلى الله عليه وسلم، ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف، لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرها، وعلى القول بأنه فيها ففي أي شعابها؟ وعلى القول بتعيين هذا الشعب ففي أي الدور؟ وعلى القول بتعيين الدار يبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار، بعد مرور الأزمان والأعصار، وانقطاع الآثار).
ثم قال أيضاً رحمه الله مستبعداً صحة تحديد ذلك المكان: (والولادة وقعت في زمن الجاهلية، وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة، سيما مع عدم تعلق غرض لهم بذلك، وبعد مجيء الإسلام فقد علم من حال الصحابة وتابعيهم ضعف اعتناقهم بالتقييد، بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي، لصرفهم اعتناءهم رضي الله عنهم لما هو أهم، من حفظ الشريعة، والذب عنها بالسنان واللسان) أ ـ هـ.
وممن ساق الخلاف في مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ حمد الجاسر رحمه الله حيث بين ذلك في محاضرة ألقاها في جامعة أم القرى ليلة الإربعاء 13 جمادى الآخرة 1402هـ. ثم نشر بحثه في مجلة العرب (س 20، 14 ـ 2 شعبان 1405هـ ص37 ـ 46)
ومما قاله الشيخ حمد الجاسر رحمه الله: وهذا الاختلاف في الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد، لا يقوم على أساس تاريخي صحيح. أ ـ هـ
وكان الشيخ حمد الجاسر رحمه الله قد ساق في بداية كلامه الخلاف في مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم. ونقل عدداً من نقولات العلماء كقول الحافظ مُغَلْطَاي الحنفي (689/ 762هـ) في كتابه "الإشارة إلى سيرة المصطفى، وتاريخ من بعده من الخلفاء " وهو من مخطوطات مكتبة الحرم المكي، ونصُّ كلامه: (وُلِد صلى الله عليه وسلم بمكة، في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، ويقال: بالشِّعب ويقال: بالرَّدم، ويقال: بعسفان).
وقول ابن سيد الناس محمد بن محمد اليعمري (671/ 734هـ) في كتابه "عيون الأثر، في سيرة سيد البشر": (وولد في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل: إنه وُلِد في شعب بني هاشم) وقول الإمام السهيلي في "الروض الأنف": (وولد بالشعب، وقيل: بالدار التي عند الصفا).
ثم أورد كلام مؤرخ مكة تقي الدين الفاسي: (مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسوق الليل وهو مشهور، وذكر السهيلي في خبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم ما يستغرب) ثم أورد كلامه وأضاف: وأغرب منه ما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم ولد في الردم، ردم بني جُمَحٍ). أ ـ هـ
عاشراً: ذكر الكاتب أن السلف شيدوا المساجد في تلك الأماكن. لتكون شواهد تاريخية على من حل بها، أو ما حل بها. كما في صحيفة عكاظ 4/ 3/1427هـ.
ولم يذكر الكاتب أي فعل أو قول على هذا النقل. إلا ما ذكره في مقاله الأخير المنشور في صحيفة عكاظ 11/ 3/1427هـ بأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جعل بيت خديجة رضي الله عنها مسجداً يصلَّ فيه.
وقد بحثت عن ذلك في كتاب أخبار مكة للأزرقي فلم أجد إسناداً بأن معاوية بنى مسجداً مكان بيت خديجة رضي الله عن الجميع.
وإنما يروي الأزرقي هذا الخبر بلا إسناد.
وكان الواجب على الكاتب أن لا يستدل إلا بما ثبت عن معاوية رضي الله عنه.
والكاتب يدعو لبناء مساجد في تلك الأماكن وهي دعوةٌ لإقامة معابد (مساجد) للمسلمين في أماكن الأنبياء والصالحين التي مشوا فيها. . أو سكنوها .. أو جلسوا فيها ..
وهذه قضية خطيرة من الكاتب. تحتاج إلى تحرير وبيان للحق فيها.
¥