فاختيار بقعة وتخصيصها بأن تكون مسجداً يحتاج إلى دليل .. فإذا لم يوجد دليل على تخصيص هذه البقعة ببناء مسجد عليها فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.
والمساجد تبنى في كل مكان إلا الأماكن التي نهي عن البناء فيها كالمقبرة والحمام.
فالرسول صلى الله عليه وسلم عمَّمَ فقال: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)). فلا يجرؤا أحد على أن يخصص بقعة ببناء مسجد عليها إلا بتخصيص من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولست أدري! لماذا ربط الكاتب بين الأماكن التاريخية وبين إحياء المساجد عليها؟؟
مع أن الكاتب يدعو إلى محاربة الأفعال البدعية والخرافية هناك.
ولم يذكر الكاتب دليلاً صحيحاً صريحاً في المسألة ... وغاية ما نقله أخبار في السير بلا إسناد .. أو بإسناد لا يصح.
والسلف رحمهم الله لم يبنوا مساجد في أماكن الصالحين .. والتي مشوا عليها ولا البيوت التي سكنوها .. وإنما حاربوا البناء في تلك المواطن.
فقد نهى عمر رضي الله عنه عن البناء على آثار الأنبياء. كما قال المعرور بن سويد خرجنا مع عمر في حجه، فقرأ بنا في الفجر: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)) (الفيل: 1)
((لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)) (قريش: 1).
فلما قضى حجه ورجع، والناس يبتدرون، فقال: (ما هذا)؟ فقالوا: مسجد صلى في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (هكذا هلك أهل الكتاب، اتخذوا آثار أنبياءهم بيعاً، من عرضت له منكم الصلاة، فليصل، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة، فلا يصل فيه). أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 376)، وعبدالرزاق (1/ 118 ـ 119)، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (87) وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية كما في التوسل والوسيلة (161) وصحح إسناده أيضاً ابن كثير في مسند الفاروق (142).
وتأمل في جبل الطور الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام، وأنزل عيه الأحكام، هذا الجبل الذي تجلى له ربه فجعله دكا، وخر موسى صعقاً، هذا الجبل هل ذهب إليه نبينا صلى الله عليه وسلم؟ هل ذهب الصحابة رضي الله عنهم إلى قبر موسى عليه السلام أو قبر غيره من الأنبياء؟؟
الجواب: لا.
بل إن أبا هريرة رضي الله عنه ذهب إلى جبل الطور فلما أقبل قال له أبو بصرة الغفاري: (من أين أقبلت؟، قال: من جبل الطور. قال: أما إني لو أدركتك لم تذهب، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ))). رواه مالك في الموطأ (1/ 108)، والنسائي (3/ 113)، وقال ابن حجر في الإصابة (1/ 166) إسناده صحيح.
قال الشيخ ولي الله الدهلوي: (كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها وبتبركون بها فسدّ النبي صلى الله عليه وسلم الفساد لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله والحق عندي أن القبر وجبل الطور كل ذلك سواء في النهي) كتاب الحجة البالغة (1/ 192).
ثم نسألُ فنقول: لماذا لم تحفظ الشريعة أماكن آثار الصالحين، بل وقبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كقبر الخليل، وموسى عليهم السلام؟
لماذا لم تحث الشريعة على حفظ قبور الصحابة رضي الله عنهم؟ بل لماذا نهت الشريعة عن الكتابة على القبور والبناء عليها، وتجصيصها، والصلاة عندها؟
بل إن الكاتب قال: عن المكان الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إنه آخر أثرٍ عند المسجد الحرام .. فأين بقية الآثار ... لماذا لم يحافظ عليها المسلمون؟
ومن الأدلة التي تدل على عدم اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بالأماكن التاريخية فضلاً عن بناءهم مساجد فيها. ما أخرجه البخاري (2958) في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (رجعنا من العام المقبل فما اجتمع اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله).
¥