تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن حجر في الفتح (6/ 118) تعليقاً على هذا الحديث: (وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أُمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: (كانت رحمة من الله) أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى) أ ـ هـ.

قال أبو عبدالله بن وضاح القرطبي في كتابه البدع (ص88): (وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قبا وأحداً).

قال ابن وضاح: (وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه، ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به، وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يعدُ فعل سفيان).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما ذكر أن طائفة من المصنفين في المناسك استحبوا زيارة مساجد مكة وما حولها، قال رحمه الله تعالى مبيناً خطأ هذا العمل: (تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، لم يفعلوا شيئاً من ذلك، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف، وغير ذلك من العبادات، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه، ولا يصلح أن يجعل هناك مسجداً يزاحمه في شيء من الأحكام وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد من دعاءٍ وصلاة وغير ذلك إذا فعله في المسجد الحرام كان خيراً له، بل هذا سنة مشروعة، وأما قصد مسجد غيره هناك تحرياً لفضله فبدعة غير مشروعة) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 802).

وقال الشيخ صدّيق حسن بعد أن ساق جملة من تلك المساجد المحدثة، ونحوها من المواضع: (هذه المساجد والمواضع ليس دخول شيء منها لمن اجتاز بها فرضاً ولا سنة) رحلة الصدّيق إلى البيت العتيق لصديق حسن خان (ص121).

ولو شُرِع بناء المساجد والمزارات في المواطن التي مشى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومشى عليها الصالحون. لو فٌتِح هذا الباب لصار كثير من ديار المسلمين أو أكثرها مساجد ومزارات.

ومن الأدلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور فقد أخرج البخاري (427) ومسلم (528) عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجداً، وصوّروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)).

وأخرج البخاري (437) ومسلم (530) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)).

وأخرج مسلم (532) عن جندب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إنني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)).

في هذا الحديث حذر عليه الصلاة والسلام من هذا الفعل قبل موته بخمسة أيام، بل وحذّر منه عليه الصلاة والسلام وهو في سياق الموت، كما أخرج البخاري (435) و (436) ومسلم (531) كلاهما من حديث الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة وعبدالله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا.

فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على أجساد الصالحين الأموات.

فإن قال قائل هذا النهي عن بناء المساجد على القبور.

فلماذا ينهى عن بناء المساجد على آثار الصالحين؟

قيل: إذا كان جسد العبد الصالح إذا مات لا يبنى عليه مسجد خشية تعظيم هذا العبد الصالح، فكذلك المكان الذي مشى فيه العبد الصالح .. والمكان الذي سكنه ذلك العبد الصالح. لا يُبنى فيه مسجد خشية تعظيم ذلك المكان.

ولا شك أن الذي سيُعظِّم الآثار التي مشى عليها الصالحون والأماكن التي سكنها الصالحون .. سيعظِّم قبور أولئك الصالحين ومن بنى مسجداً على تلك الآثار سيبني مسجداً على قبور أهل تلك الآثار. إذ أن أبدان الأنبياء أفضل من التراب الذي مشوا عليه.

والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور خشية أن تعظَّم وتعبد مع الله. وإذا كان الأمر كذلك فما الفرق بينها وبين تعظيم بيوت الصالحين وأماكن جلوسهم وعبادتهم؟ ما الفرق بين قبور الصالحين أمواتاً ... وبيوتهم أحياءاً؟

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ في مكان أحدٍ من الصالحين. ولم يقصد ذلك ولم يقل لناس أن الصلاة في بيته صلى الله عليه وسلم أفضل من المسجد. وإنما المؤمن إذا صلى في بيته كان أفضل من الصلاة في بيته صلى الله عليه وسلم، هذا في النفل، وأما في الفريضة فالصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف صلاة.

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً)).

وهو قبره صلى الله عليه وسلم، فهل بعد ذلك نتخذ من مكان ولادته عيداً؟ هل نهيّئ الناس لهذا الأمر!

وهل نبنيها على طريقة تستهوي قلوب الجهال؟ ليزوروا تلك الأماكن. . ويفعلوا البدع والشركيات؟؟؟

وختاماً هذا ما تيسر من التنبيه حول مقال الكاتب سائلاً المولى جل وعلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

وكتبه / فهد بن سعد بن محمد أبا حسين

[email protected]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير