بارك الله فيك أخي أسامة، لو تأمّلت مشاركة أخينا الفاضل فيصل بارك الله فيه ما أشكل عليك شيءٌ إن شاء الله.
وعلى كل حال أقول لك:
إن المتأخر يرث ما لم يرثه المتقدم إذا كان عنده خلل في اتباعه للمتقدّم، وبمثل ذلك تنشأ الفرق البدعيّة ابتداء ثم تتطور.
فالأشاعرة لم يلتزموا اتباع أشياخهم الأوائل اتباعًا يعصمهم من مخالفتهم، وهذا ظاهر إن شاء الله لمن علم منزلة الحجج العقليّة في استدلالهم ..
فهم يطلقون العنان للاستدلال العقليّ مع عدم خبرة بنصوص السنّة الشريفة وأقوال السلف، كما نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه عن (إمام الحرمين الجويني) مثلا ..
فهذا المسلك العقلي الرديء، أظهر الاختلاف بين أقوالهم ليس منذ الطبقة الثانية أو الثالثة منهم، بل إن الطبقة الأولى من تلامذة الأشعري خالفوه في أقوال ..
ولعل مما يحسن الاستشهاد به هنا قول الإمام الذهبي عن ابن الخطيب (وهو المؤسس الثاني لمذهب الأشاعرة) إنه (ربما خالف الأشعري في مضائق) ..
وأمّا الحدّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من الأشاعرة، فجنس هذا السؤال مظلوم في رأيي ..
كسؤال بعضهم: ما الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين في الفقه؟
وفي اللغة؟
وفي الحديث؟
لأننا نقول: إن هذه العلوم اتخذت طريق التغيّر شيئًا فشيئًا عبر الزمان، وبعض مظاهر هذا التغير كانت متقدمة جدًّا وبعضها تأخّر ..
فيمكننا أن نبحث عن مخالفة بعينها، ونتسائل من أول من قرر كذا؟
أو قال بكذا؟
وما وجه مخالفته للمتقدمين واضعي هذا الفن؟
لكن الجمع بين بعض مظاهر الخلاف المنهجي القديمة والأخرى الحديثة في سؤال واحد؛ يشبه ما يسمّيه بعض علماء الأصول: (أغلوطة جمع المسائل) ..
ولكن؛
قد نصّ بعض أهل العلم (وهو شبه اتفاق بين من تكلم في تاريخ الأشاعرة) أن أوّل من خطا بالأشاعرة خطواتٍ واسعاتٍ في فكر التجهم والاعتزال هو أبو المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين.
وهو ما ذهب إليه الشيخ الفاضل المحمود حفظه الله ..
وكذلك عبارة الإمام الذهبي في موضع من السير حين قال معلقا على إثبات الباقلاني بعض الصفات: وعليه كان فلان وفلان من الأشاعرة (والكبار إلى زمن أبي المعالي وأبي حامد فحصل خلاف وفتن)
على أن أكثر ما يثبته هؤلاء كان على طريقة التفويض التام، أي إثبات اللفظ دون حقيقته ولا كيفيته، بينما يثبت أهل السنة اللفظ مع الحقيقة، ويفوضون الكيفية فحسب.
فيمكنك أن تجعل زمن أبي المعالي الجويني إمام الحرمين، ثم تلميذه الغزالي فاصلاً هامًا جدًا في تطور الأشاعرة نحو الاعتزال.
ـ[أسامة بن الزهراء]ــــــــ[21 - 12 - 06, 08:58 م]ـ
بارك الله فيك على هذا التفصيل،،،
لكن البيقي كانت له عناية كبيرة بالسنة النبوية!!!
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 03:01 م]ـ
الحمد لله وحده ...
جاء في مشاركتي السابقة:
ولعل مما يحسن الاستشهاد به هنا قول الإمام الذهبي عن ابن الخطيب (وهو المؤسس الثاني لمذهب الأشاعرة) إنه (ربما خالف الأشعري في مضائق) ..
وصوابه: ابن الباقلاني، وهو هو الباقلاني محمد بن الطيب، وهو من متقدمي أصحاب الأشعري.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 03:24 م]ـ
الحمد لله وحده ...
الأخ الفاضل أسامة،
لم تكن الإشارة إلى الجهل بنصوص الكتاب والسنّة في كلامي السابق خاصة بالإمام البيهقي، بل كان في جواب سؤال: كيف لا يرث المتأخر ما يرثه المتقدم.
والإمام البيهقي من المتقدمين، فهو أمثل حالا كما سبق.
ونعم؛ الإمام البيهقي محدّث كبير، من أئمّة المحدّثين.
ولكنّه كان يتنازعه الأمران جميعًا والله أعلم، الأول: كونه من أعلام المحدّثين، والثاني: تعظيمه للأشعريّ والأشاعرة ونصرتهم.
فالأمر الأول هو الذي نتج منه أعمال البيهقي الحديثية العظيمة التي نعرفها جميعًا، والأمر الثاني هي التي خرجت بالبيهقي عن منهج أهل الحديث في فهم النصوص، بل ربما في نقد المتون الحديثية أيضًا أحيانًا.
مثل قوله: (ولم يثبت صفة الصوت في كلام الله عزوجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم).
وقوله: (وليس بنا ضرورة إلى إثباته، وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتاً راجعاً إلى غيره ... ) إلخ مثل هذه التأويلات المستكرهة.
ومعلومٌ أن أهل السنة يثبتون الصوت بحديث صحيح رواه البخاري.
وتعظيم البيهقي للأشعري والأشاعرة هو الذي جعله يعتمد في تفسير نصوص الصفات عليهم، فينقل كلامهم حرفيًا، فخالف بذلك منهج أهل الحديث ـ مع أنه منهم ـ الذين لا يتأولون ما يرد في الأحاديث الصحيحة من صفات الله عز وجل.
وقل مثل ذلك في مسألة الإيمان، فأكثر ما اعتمد البيهقي عليه في مسألة الإيمان كان على كتاب الحليمي الشافعي الأشعري (المنهاج في شعب الإيمان) وهذا الكتاب هو أصل كتاب البيهقي (الجامع لشعب الإيمان) وفيه ينقل كلام الحليمي بالنص.
وفي الجملة أنصحكم بالمجلد الثاني من (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) كما نصح قبلي أخي الفاضل فيصل.
¥