ولو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا الفن خاصة إلا ما ذكرنا من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي، كيف وقد غرس في بنيه الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك مالا شيء أبين منه ولا أوكد؟ لأنك لا تسأل أحدا من الناس عنه، عربيا ولا عجميا، ولا مؤمنا ولا كافرا فتقول: أين ربك؟ إلا قال: في السماء إن أفصح، أو أومأ بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح، لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل، ولا رأينا أحدا داعيا له إلا رافعا يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحدا غير الجهمية يسأل عن ربه فيقول: في كل مكان كما يقولون، وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى جهم وحده وخمسون رجلا معه، نعوذ بالله من مضلات الفتن!! "
فتأمل قلة من نفى العلو آنذاك باعتراف ابن كلاب وتذكر قول الغزالي أن عقيدتهم لا يقول بها واحد من ألف من هذه الأمة الأمية:
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=128063
ثم قال ابن فورك تعليقاً على هذا الكلام: ((فقد حقق رحمه الله في هذا الفصل شيئاً من مذاهبه أحدها: إجازة القول بأين الله؟ في السؤال عنه والثاني: صحة الجواب عنه بأن يقال في السماء والثالث أن ذلك يرجع فيه إلى الإجماع من الخاصة والعامة)) ثم قال كلاماً في محاولة تأويل كلامه فأنظره وأنظر لتعليق ابن تيميه عليه في نقض التأسيس ص51 - 56 تحقيق الدويش.
وقد اعترف بهذا البغدادي فقال في كتابه أصول الدين ص113: ((ومنهم من قال: إن استواءه على العرش كونه فوق العرش بلا مماسة، وهذا قول القلانسي وعبد الله بن سعيد [وهو ابن كلاب]، ذكره في كتاب الصفات)) والقلانسي المذكور هنا هو أيضاً أحد أئمة الكلابية من معاصري الأشعري وينتبه إلى ان نفي المماسة لا يعني نفي العلو بالضرورة وقد ذهب لنفي المماسة جماعة من مشاهير مثبتة العلو كالحافظ السجزي والتيمي وغيرهم وليس هذا مقام تحرير الموقف من هذا اللفظ فليراجع ما كتبه الدكتور الدكتور جابر بن ادريس في كتابه مقالة التشبيه ج1 من ص430 إلى 443.
فهذا ابن كلاب والقلانسي وخذ أيضاً واحداً من كبار أئمة الكلابية وهو المحاسبي، وقد ذكر الدكتور عبد الحليم محمود الصوفي الأشعري-أحد شيوخ الأزهر- في كتابه "أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي" في باب العقيدة ص 111 أن المحاسبي رد على الجهمية قولهم أن الله في
كل مكان قائلاً أن الله فوق العرش فوق سبع سموات وأحال في الحاشية لكتاب فهم القرآن وهذا نص كلامه
قال المحاسبي: ((وقد ادعى بعض أهل الضلال فزعموا أن الله جل وعز في كل مكان بنفسه، كائنا كما هو على العرش لا فرق بين ذلك عندهم!! ... وأما قوله "على العرش استوى" "وهو القاهر فوق عباده" و "أأمنتم من في السماء" "وإذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً" فهذه وغيرها مثل قوله "إليه يصعد الكلم " وقوله "ثم يعرج إليه في يوم" فهذا مقطع يوجب انه فوق العرش، فوق الأشياء، منزه عن الدخول في خلقه لا يخفى عليه منهم خافية لأنه أبان في هذه الآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال: ((أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)) يعني فوق العرش، والعرش على السماء لأن من كان فوق شيء على السماء فهو في السماء، وقد قال مثل ذلك "فسيحوا في الأرض" يعني على الأرض لا يريد الدخول في جوفها، وكذلك قوله "لأصلبنكم في جذوع النخل" يعني فوقها. وقال: " أأمنتم من في السماء" ثم فصل فقال: ((أن يخسف بكم الأرض)) ولم يصله بمعنى فيشتبه ذلك، فلم يكن لذلك معنى إذ فصل بقوله: ((في السماء)) -ثم استأنف التخويف بالخسف-إلا أنه على العرش فوق السماء.
وقال: ((يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم)) (الآية) وقال"تعرج الملائكة والروح إليه" فبين عروج الأمر وعروج الملائكة، ثم وصفها بالارتفاع صاعدة إليه فقال: ((إليه يصعد الكلم الطيب)).
وقال: ((ثم يعرج إليه)) ثم قال: ((في يوم كان مقداره)) مقدار صعودها، وفصله من قوله ((إليه)) كقول القائل: صعدت إلى فلان في يوم أو في ليلة، وإن صعودك إليه في يوم، فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله جل وعز، وإن كانوا لم يروه، ولم يساووه في الارتفاع في علوه، فإنهم صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو الذي لله عز وجل فوقه.
¥