فكلامه هذا يقتضي: أن نقد ابن تيمية للمنطق لم يكن نقدًا علميًا، ولا أنه قد ظهر له شيء من قضايا هذا المنطق أو مقدماته مما يستحق النقد، كل هذا لم يكن في نقد ابن تيمية، وإنما كان نقده لكونه منسوبًا إلى أرسطو فقط، وهذا الوصف لنقد ابن تيمية يوجب التقليل من شأنه وعدم اعتباره.< o:p>
وهذا الكلام غير صحيح؛ لأن ابن تيمية لم يحكم على كل المنطق بالبطلان، بل اعتبر كثيرًا من قضاياه صادقًا< SUP>([42] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn42))، وقال في وصف المنطق: «وأما هو في نفسه فبعضه حق وبعضه باطل» < SUP>([43] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn43))، فذكر أن بعض المنطق صحيح في نفسه، فلو كان نقده للمنطق راجعًا إلى أنه منسوب إلى أرسطو فقط لرد كل المنطق.< o:p>
ومما يدلّ على عدم صحّة هذا القول: أن ابن تيمية ذم المتكلمين على ردهم كل ما هو يوناني، وفي هذا يقول: «ما يعلم بالمشاهدة والحساب الصحيح من أحوال الفلك علم صحيح لا يدفع، والأفلاك مستديرة ليست مضلعة، ومن قال إنها مضلعة، أو جوز ذلك من أهل الكلام فهو وأمثاله ممن يرد على الفلاسفة وغيرهم ما قالوه من علم صحيح معقول، مع كونه موافقاً للشرع، وهذا من بدع أهل الكلام ... » < SUP>([44] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn44)).
وابن تيمية لما تكلم عن علوم الفلاسفة لم يخطئها كلها، بل ذكر أن منها ما هو صحيح، كعلم الحساب والفلك، ومنها ما هو باطل< SUP>([45] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn45))، فلو كان ميزان النقد عنده كونها منسوبة إلى أرسطو أو اليونان لردها كلها، وحكم عليها بالبطلان.< o:p>
والأمر الثاني من الأمور التي حاول أصحابها أن يقللوا من قدر نقد ابن تيمية للمنطق هو: أن حال ابن تيمية متناقض في نقده للمنطق، فإنه من أشد من شنع على المنطق وحرمه في الشرع، ومع هذا فهو من أشد الناس معرفة به وانكباباً على دراسته، فكيف يحرم شيئًا ثم يفعله.< o:p>
وهذا الأمر ذكره البوطي وفي هذا يقول: «تحدث ابن تيمية أيضًا عن المنطق والفلسفة فانتهى ... إلى التنشيع على هذا العلم والتحذير منه، وإلى التأكيد بأن كل من يمارسه وينظر فيه فهو فاسد النظر والمناظرة كثير العجز عن تحقيق علمه وبيانه ... < o:p>
ولكن العجيب كل العجب في هذا الأمر أنه يصيح بكلماته التشنيعية هذه وهو غارق في أقصى أودية التعامل مع المقاييس والموازين الفلسفية، موغل إلى أقصى حد في التعامل مع قواعد الفلسفة ومقولاتها ومفاهيمها ... < o:p>
ولا يعنيني أنه في استغراقه وإيغاله هذين مؤيد لأفكار المناطقة والفلاسفة أو منتقد، إنما المهم أنه تعلم المنطق والفلسفة وأكب على دراستهما بكل إقبال وجدّ، وهاهو ذا في حديثه عن المنطق والفلسفة يحاور ويناقش مناقشة الخبير البصير ثم الممارس المتمكن ... < o:p>
وماذا صنع الإمام الغزالي أكثر من هذا الذي صنعه الإمام ابن تيمية، مع فارق واحد: هو أن الأول لم يحرم على الناس ما أباحه لنفسه، أما الثاني فقد تربع على مائدة الفلسفة يتناول منها ويحثوا بأطباقها كما يحب، ويصيح في كل من حوله يطردهم عن المائدة» < SUP>([46] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=16#_ftn46)).
فالبوطي يقرّر أن ابن تيمية شنّع على علم المنطق، وذكر أنه علم فاسد عاجز عن تحقيق المعارف، ولهذا حرمه ومنع منه، ومع هذا فابن تيمية معتبر لهذا العلم ومستعمل له في علومه استعمال العالم به، وناقش أهله مناقشة الخبير بقضاياه والممارس لقواعده وأصوله، فحال ابن تيمية يناقض بعضه بعضًا، فكيف يحرم المنطق ثم هو نفسه يتعلمه تعلماً واسعًا حتى أصبح متمكنًا فيه، ويأخذ بقضاياه ويطبقها في علومه؟! فهل نأخذ يقول ابن تيمية في تحريم المنطق والحكم عليه بالفساد، أم نأخذ بفعله الذي يدلّ على أن المنطق علم صحيح جائز الاستعمال؟!.< o:p>
وعلى هذا فكيف يعتدّ بكلام ابن تيمية في المنطق مع تناقضه هذا؟! < o:p>
¥