وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات." ()
قلت: المتأمل لأغلاط أبي محمد في المسائل الكبار لا يكاد يجد فيها أثرا ذا بال لعلم المنطق وإنما أوتي أولاً من جهة عدم ضبطه لتفاصيل أقوال السلف في هذه المسائل ()، وأوتي كذلك من جهة إنكاره الحكمة والتعليل الذي رتب يبسه عن المعاني والمقاصد، وكما أوتي من جهة تقحمه في الدلائل والمسائل ما هو من قضايا الفلاسفة والمتكلمين () وهما غير علم المنطق = فإنه كما يقول ابن تيمية: " قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين باتباعه لظاهر لا باطن له "ولعل مراد الذهبي وابن كثير من قالتهما هذا، وهذا التقرير لا يضاد قول ابن تيمية في الفلاسفة "أن كثيرا مما ذكروه في المنطق هو من أصول فساد قولهم في الإلهيات مثل ما ذكروه من تركيب الماهيات من الصفات التي سموها ذاتيات، وما ذكروه من حصر طرق العلم فيما ذكروه من الحدود والأقيسة البرهانيات بل ما ذكروه من الحدود التي بها تعرف التصورات بل ما ذكروه من صور القياس ومواده اليقينيات." () إذ محله الفلاسفة ومحلنا ابن حزم
بل لو زعم زاعم أن ظاهرية ابن حزم هي العامل الرئيس في خطأه في الأصول لم يكن مفندا وهذا لا يلزم بالضرورة أنه كان آخذا بالظاهر لأنا نعتبر ظاهرية ابن حزم ككل لا الأخذ بالظاهر، ولعل مأخذ من اعتبر أخذ ابن حزم بالظاهر في الفروع لا الأصول كما هي طريقة ابن كثير = هو انحرافه عن ظاهر النصوص في المسائل الكبار كمسائل الصفات وأن هذا منافٍ للأخذ بالظاهر فنقول: إن هذا الغلط من ابن حزم وإن كان خروجاً عن الظاهر إلا أن هذا لا يوجب أن ابن حزم قد ودع ظاهريته هاهنا لأنا نعتبر ظاهرية ابن حزم وهي معنىً أخص من المعنى المتبادر والمتعارف عليه من الأخذ بظاهر النصوص فإن ابن حزم كان مع قوله بالظاهر ينفي المعاني والعلل المنبثقة من نفيه الحكمة والتعليل وهذا خلاف للظاهر وإن كان محسوبا في ظاهرية ابن حزم، وعليه فإن المشكك في أخذ ابن حزم بظاهريته في الأصول لم يستكمل أصول ابن حزم الظاهرية وإنما اقتصر على جادة ابن حزم في اقتصاره على الظاهر فحسب، ولو كان ترك ابن حزم لظاهريته هي سبب خطأه لكان لازماً على قائل هذا القول أن يصحح مذهبه في الفروع وقد علم نزاعهم إياه، فلا إذاً.
والمقصود الإشارة إلى أن الأخذ بالظاهر إنما هي أداة من أدوات ابن حزم لا يصح بحال أن يزوى ابن حزم بين جنباتها وبالتالي يختزل بقية منهجه الظاهري ويصادر كأن لم يكن.
أما المأخذ الثاني وهي دعوى خطأه في علم المنطق فأول من حفظ عنه ذلك أبو القاسم صاعد فإنه قال: " فعني بعلم المنطق وألف فيه كتابا سماه التقريب لحدود المنطق بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف واستعمل فيه أمثلة فقهية وجوامع شرعية، وخالف (أرسطاطاليس) واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتابه فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بين السقط " وقال ابن حيان بعد أن ذكر مشاركة ابن حزم في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة: "وله في بعض تلك الفنون كتب كثيرة، غير أنه لم يخل فيها من الغلط والسقط، لجرأته في التسور على الفنون لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسطاطاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض في كتبه () " ()
قلت: وهذا المأخذ لم يكن معتبراً عند كل من نظر في كتاب التقريب الآنف الذكر فإن الحميدي مثلاً يصف هذا الكتاب بأنه " سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب الممخرقين به طريقة لم يسلكها أحد قبله فيما علمناه " ()
وأياً كان فإن ابن حزم استطاع "باقتدار تطوير المنهج الأرسطي إن كان في مقدماته أو في نتائجه ليجعل منه برهانا عقليا حزميا منتجا بالضرورة أمكن توظيفه في تأويل الخطاب الشرعي وإلزام المخالفين سواء في العقائد أو في العمليات أو كانوا فقهاء أو متكلمين أو من غير الملة." () ومن كان هذا شأنه فمعيب أن يسأل عن فهمه للمنطق الأرسطي وقد بان ما خطته يداه من تطوير للمنطق واستدراك على الرئيس وهذه تواليف ابن حزم دونك ناطقة بما مارسه فيها ابن حزم من علق المنطق وخباياه ما لا تكاد تجده عند غيره من المتحذلقين فيه، فأي درب بعد هذا أوعر على من رام الاستدراك عليه فكيف بدعوى عدم الفهم؟ ()
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[24 - 02 - 07, 01:40 م]ـ
الأمر الآخر: لم يتبين لي فرق بين ابن حزم وابن تيمية في اعتبار المنطق إلا من جهة المدح والذم الي رتب عليه اشتغال ابن حزم بالمنطق بإزاء نقد ابن تيمية له
فبين الرجلين قدر متفق عليه في المنطق فابن تيمية يذم المنطق من الجهة التي لا يخالفه فيها ابن حزم وابن حزم يعظم المنطق من الجهة التي لا يخالفه فيها ابن تيمية.
وما دام أن الخلاف مقصور على ما ذكرنا فإنه يهون الخطب ويستصغر ما استعظم وإنما يبحث من جهة أي الموقفين أسد: المدح أو الذم إذ قد اتحد الرجلان في الموقف؟
¥