((فأبواه يهودانه أو ينصرانه)).
وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرة على هذا, وقال: إن المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة, وتفرع عليها أن الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه, وأنه لا يكفي التقليد في ذلك.
ونقل كذلك عن القرطبي صاحب "المفهم" كما في "الفتح" (13/ 363): ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقاً بالذم:
أحدهما: قول بعضهم إن أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر.
ثانيتها: قول جماعة منهم إن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه.
ب- هذه المسألة كما يقول شيخ الإسلام هي ينبوع البدع وهو الاستدلال بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام وبحدوث الأجسام على حدوث العالم وبحدوث العالم على وجود الله. فجرهم هذا إلى تعطيل صفات الله لأن الصفات في نظرهم أعراض, والأعراض لا تقوم إلا بجسم, والله يتنزه عن ذلك.
فعطل الجهمية الأساسية أسماء الله وصفاته وتأثر بهذا الأصل المعتزلة فعطلوا به صفات الله, وتأثر بهم الأشاعرة فعطلوا كثيراً من صفات الله،ومنها العلو على الكون والاستواء على العرش والوجه واليدين والرضى والغضب والحكمة، فلم يثبتوا من صفات الله إلا الصفات السبع التي أثبتوها ومنها العلم والإرادة .. الخ.
ج- جرهم ذلك إلى منع التقليد في العقيدة:
قال سعيد فودة في "الموقف" (ص9): ولا يجوز للمسلم المتعلم تقليد غيره من المسلمين في العقيدة.
وقال في "نقض التدمرية" (ص8): فإن النظر لمعرفة الله تعالى واجب, وإنما يكون النظر بالعقل لا بالنقل؛ فلا يصح القول إذن بتوقف وصف الله على ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لأن هذا لا يتأتى إلا بعد نزول الشريعة وثبوتها عند المكلف والنظر يكون قبل ذلك كما هو ظاهر.
وقال في "بحوث في علم الكلام" (ص28): ومثاله أيضا القول: إن الدليل على وجود الله هو كون العالم مخلوقاً، أو كونه متقن الصنعة، أو كونه مرتباً على هيئة معينة بحيث يستحيل أن يوجد على تلك الهيئة من دون مريد قادر يخصصه بها, وهكذا فهذه المعرفة هي المعرفة الواجبة على كل إنسان!
قلت: قال ابن القيم رحمه الله: فإن قيل إنما ذم من قلد الكفار وآباءه الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون, ولم يذم من قلد العلماء المهتدين بل قد أمر بسؤال أهل الذكر؛ وهم أهل العلم وذلك تقليداً لهم، فقال تعالى: ?فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ? [النحل:43]، وهذا أمر لمن لا يعلم بتقليد من يعلم.
فالجواب: أنه سبحانه ذم من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء, وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق السلف والأئمة الأربعة على ذمه وتحريمه, وأما تقليد من بذل جهده في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فقلد فيه من هو أعلم منه؛ فهذا محمود غير مذموم ومأجور غير مأزور ().
وقال ابن حجر رحمه الله: وقرأت في جزء من كلام شيخ شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي ما ملخصه: أن هذه المسألة مما تناقضت فيها المذاهب وتباينت بين مفرط ومفرِّط ومتوسط، فالطرف الأول قول من قال: يكفي التقليد المحض في إثبات وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه, وممن نسب إليه إطلاق ذلك عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة من الحنابلة والظاهرية, ومنهم من بالغ فحرم النظر في الأدلة واستند إلى ما ثبت عن الأئمة الكبار من ذم الكلام, والطرف الثاني قول من وقف صحة إيمان كل أحد على معرفة الأدلة من علم الكلام، ونسب ذلك لأبي إسحاق الإسفراييني, وقال الغزالي: أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر؛ فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين, وذكر نحوه أبو المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله, ونقل عن أكثر أئمة الفتوى أنهم قالوا: لا يجوز أن تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية ().
5 - الأخذ بظواهر الكتاب والسنة كفر في نظر سعيد فودة:
¥