قال في "نقض التدمرية" (ص83): فهذه هي أصول الكفر على حسب ما وضحه الإمام السنوسي, وكلامه فيها في غاية الإتقان, وما يهمنا الكلام عليه ههنا هو الأصل الأخير, وهو التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة .. إلخ. فالإمام السنوسي يقول: إن الاعتماد على النظرة الأولى التي يلقيها القاريء – خاصة إذا كان من المجسمة – إلى النصوص والآيات لا تصح أن تتخذ أصلاً يعتمد عليه بعد ذلك في تقرير أصول العقائد وعلم التوحيد. ومثاله ما فعله ابن تيمية عندما قال إن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يفيد أن الله جالس ومستقر على العرش بمماسة له!
قلت: وفي كلامه ما يلي:
أولاً: حكمهم بالكفر على كل من أخذ بظواهر الكتاب والسنة؛ فالعامي عندما يثبت العلو مثلاً من آيات إثبات العلو كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى}، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وغيرها؛ فهو كافر لأن ظاهر هذه الآيات غير مراد لأن عقولهم تفهم من ذلك إثبات الجهة والجهة مكان, وهي من متعلقات الأجسام فيلزم من ذلك التشبيه, وعلى ذلك فالعامي إذا اعتقد ذلك وقع في الكفر, وبعضهم عذره, ولذلك قال في "السنوسية" (ص62) قال البيجوري: فليس الله عن يمين العرش ولا عن شماله ولا أمامه ولا خلفه ولا فوقه ولا تحته فليحذر كل الحذر مما يعتقده العامة من أن الله تعالى فوق العالم، لكن الصحيح أن معتقد الجهة لا يكفر كما قاله ابن عبد السلام, وقيده النووي بأن يكون من العامة. ومفهوم المخالفة أن غير العامي يكفر عندهم فتأمل.
ثانياً: ما نسبه إلى شيخ الإسلام أنه يقول في الاستواء أن معناه الجلوس والاستقرار على العرش بمماسة فهو من الكذب على شيخ الإسلام, وهذا يدل على خيانته العلمية؛ فأين التزام وتقرير شيخ الإسلام أن استواء الله على العرش معناه الجلوس والاستقرار عليه بمماسة.
قلت: ولو كان يملك المعترض النص من كلام شيخ الإسلام في تقرير ذلك لملأ به كتبه. وخصوصاً أن شيخ الإسلام أكثر من قوله إن الله على عرشه بائن عن خلقه في كثير من المواضع, وإليك بعضها:
قال رحمه الله: وروى عبد الله بن أحمد وغيره بأسانيد صحاح عن ابن المبارك أنه قيل له بم نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه, ولا نقول كما تقول الجهمية أنه ههنا في الأرض. وهكذا قال الإمام أحمد وغيره ().
وقال رحمه الله: أما من اعتقد الجهة, فإن كان يعتقد أن الله داخل المخلوقات تحويه المصنوعات وتحصره السماوات, ويكون بعض المخلوقات فوقه, وبعضها تحته فهو مبتدع, وكذلك إن كان يعتقد أن الله يفتقر إلى شيء يحمله إلى العرش أو غيره, فهو أيضاً مبتدع ضال.
وكذلك إن جعل صفات الله مثل صفات المخلوقين فيقول استواء الله كاستواء المخلوق أو نزوله كنزول المخلوق, ونحو ذلك فهذا مبتدع ضال؛ فإن الكتاب والسنة مع العقل دلت على أن الله لا تماثله المخلوقات في شيء من الأشياء, ودلت على أن الله غني عن كل شيء, ودلت على أن الله مباين للمخلوقات عال عليها.
وإن كان يعتقد أن الخالق تعالى بائن عن المخلوقات, وأنه فوق سماواته على عرشه بائن من مخلوقاته ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته, وأن الله غني عن العرش, وعن كل ما سواه لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات بل هو مع استوائه على عرشه يحمل العرش وحملة العرش بقدرته, ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين بل يثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات, وينفي عنه مماثلة المخلوقات, ويعلم أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ فهذا مصيب في اعتقاده موافق لسلف الأمة وأئمتها ().
ثالثاً: في كلامه تلميح إلى تكفير شيخ الإسلام، فإنه لما ذكر قول السنوسي فال: فهذه هي أصول الكفر على حسب ما وضحه الإمام السنوسي ثم قال بعد ذلك: ومثاله ما فعله ابن تيمية عندما قال إن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يفيد أن الله جالس ومستقر على العرش بمماسة له.
6 - هل آيات الصفات من المشكل؟
¥