نقل البيهقي في "الاعتقاد" (ص117) بإسناده إلى يحيى بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} كيف استوى؟ فأطرق مالك رأسه ثم علاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة, وما أراك إلا مبتدعاً فأمر به أن يخرج. قال الشيخ: وعلى مثل هذا درج أكثر علمائنا في مسألة الاستواء, وفي مسألة المجيء، والإتيان، والنزول، قال الله عز وجل: {وجاءَ ربُّكَ والمَلكُ صفاً صفاً}، وقال: {هَل يَنظرون إلاَّ أن يأتيَهُم اللهُ في ظُللٍ من الغَمامِ}.
7 - قال في "الفرق العظيم" (ص38): فعندما يقول العلماء إن التفويض مذهب السلف والتأويل هو مذهب الخلف فلا يعني ذلك أنه لم يوجد واحد من أهل القرون الثلاثة أوَّل، بل يعني أنهم كانوا على الإجمال يتبعون طريقة التفويض لا بالكلية.
قلت: قد تحدى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سلفه أن يأتوا بمثال واحد صحيح على تأويل السلف؛ فلم يفعلوا.
قال شيخ الإسلام: ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود وكنت قد قلت أمهلت كل من خالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن السلف يخالف شيئاً مما ذكرته كانت له الحجة وفعلت وفعلت، وجعل المعارضون يفتشون الكتب فظفروا بما ذكره البيهقي فى كتاب "الأسماء والصفات" في قوله تعالى: {وَلله المَشرقُ والمغرب فأينما تُولوا فَثَمَّ وَجه الله}، فإنه ذكر عن مجاهد والشافعي: أن المراد قبلة الله، فقال أحد كبرائهم في المجلس الثاني: قد أحضرت نقلاً عن السلف بالتأويل فوقع في قلبي ما أعد فقلت: لعلك قد ذكرت ما روى في قوله تعالى: {وَلله المَشرقُ والمغرب فأينما تُولوا فَثَمَّ وَجه الله}. قال: نعم. قلت: المراد بها قبلة الله فقال: قد تأولها مجاهد والشافعي وهما من السلف, ولم يكن هذا السؤال يرد عليّ فإنه لم يكن شيء مما ناظروني فيه صفة الوجه, ولا أثبتها لكن طلبوها من حيث الجملة، وكلامي كان مقيداً كما في الأجوبة فلم أر إحقاقهم في هذا المقام، بل قلت: هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلاً ولا تندرج في عموم قول من يقول لا تؤول آيات الصفات.
قال: أليس فيها ذكر الوجه؟ فلما قلت: المراد بها قبلة الله قال: أليست هذه من آيات الصفات؟ قلت: لا، ليست من موارد النزاع فإني إنما أسلم أن المراد بالوجه هنا القبلة؛ فإن الوجه هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدت هذا الوجه وسافرت إلى هذا الوجه، أي إلي هذه الجهة وهذا كثير مشهور (). 8 - فسر الاستواء بالاستيلاء: قال في "بحوث في علم الكلام" (ص83): إن الاستواء اللائق بالله هو الاستيلاء دون الاستقرار والجلوس لأنهما من صفات الأجسام.
قلت: قال ابن بطال: فأما قول المعتزلة؛ - أي تفسيره بالاستيلاء -، فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهراً غالباً مستولياً, وقوله ثم استوى يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن, ولازم تأويلهم أنه كان مغالباً فيه؛ فاستوى عليه بقهر من غالبه, وهذا منتف عن الله سبحانه.
وأما قول المجسمة ففاسد أيضاً، لأن الاستقرار من صفات الأجسام, ويلزم منه الحلول والتناهي, وهو محال في حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات، لقوله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ}، وقوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}. قال: وأما تفسير استوى علا؛ فهو صحيح وهو المذهب الحق, وقول أهل السنة؛ لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي وقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وهي صفة من صفات الذات.
وقال ابن حجر رحمه الله: وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب "الفاروق" بسنده إلى داود بن علي بن خلف قال: كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل: {الرحمنُ عَلى العَرش استوى} فقال: هو على العرش كما أخبر قال: يا أبا عبد الله إنما معناه استولى، فقال: اسكت لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد.
¥