تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأزدي سمعت ابن الأعرابي يقول: أرادني أحمد بن أبي داود أن أجد له في لغة العرب {الرحمنُ عَلى العَرش استوى} بمعنى استولى فقلت: والله ما أصبت هذا. وقال غيره: لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش، لأنه غالب على جميع المخلوقات. ونقل محي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معناه ارتفع ().

9 - قال في "الفرق العظيم" (ص53): والأصل أن الكيف غير ثابت لله تعالى ... أما الإمام مالك والمتقدمون من علماء السلف فأصل الكيف عندهم منفي قطعاً. وقال في "النقد والتقويم" (ص35): والسلف لم يثبتوا كيفية أصلاً ويفوضوا العلم بها إلى الله تعالى.

قلت: وهذا من قوله على الله بلا علم ومن تقوله على السلف بلا علم ولا دليل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتوى الحموية" (ص309):

فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول موافق لقول الباقين أمروها كما جاءت بلا كيف فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة, ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم.

وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى, وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات.

وأيضاً فإن من ينفي الصفات الجزئية - أو الصفات مطلقاً - لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: وبلا كيف.

وأيضاً قولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه؛ فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة, وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت, ولا يقال حينئذ بلا كيف إذا نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول.

وقال الخطيب البغدادي: أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه.

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح. ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لان التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: {ليس كمثله شيء}، {ولم يكن له كفوا أحد} ().

10 - أنكر على شيخ الإسلام ما قرره رحمه الله من قوله أن طريقة السلف في صفات الله نفي مجمل وإثبات مفصل كما في "نقض التدمرية" (ص11).

والجواب:

قال شيخ الإسلام: إن الطريقة التي بعث الله بها أنبياءه ورسله وأنزل بها كتبه مشتملة على الإثبات المفصل والنفي المجمل كما يقرر في كتابه وعلمه وقدرته وسمعه وبصره ومشيئته ورحمته وغير ذلك، ويقول في النفي: {ليس كمثله شيء}، {هَل تَعلمُ له سمياً}، {لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد}، وعلى أهل العلم والإيمان إتباع المرسلين من الأولين والآخرين, وأما طريقة هؤلاء فهي نفي مفصل ليس بكذا ولا كذا وإثبات مجمل، يقولون: هو الوجود المطلق لا يوصف إلا بسلب أو إضافة أو مركب منهما, ونحو ذلك، وكل من علم ما جاءت به الرسل وما يقوله هؤلاء علم أن هؤلاء في غاية المشاقة والمحادة والمحاربة لله ورسله ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير