ويقال أيضاً: ألا ترى أنك لو مدحت ملكاً فقلت له: أنت كريم شجاع محنك .. ، إلى غير ذلك من الصفات لكان هذا من أعظم الثناء عليه, وكان فيه من زيادة مدحه وإظهار محاسنه ما يجعله محبوباً محترماً لأنك فصلت في الإثبات، ولو قلت: أنت ملك لا يساميك أحد من ملوك الدنيا في عصرك لكان مدحاً بالغاً لأنك أجملت في النفي, ولو قلت: أنت ملك غير بخيل ولا جبان ولا فقير ولا بقال ولا كناس ولا بيطار .. وما أشبه ذلك من التفصيل في نفي العيوب التي لا تليق لعد ذلك استهزاء به وتنقصاً لحقه ().
وقارن بين طريقة المتكلمين كما في "تهذيب شرح السنوسية": يستحيل على الله العجز .. ويستحيل على الله الذهول .. ويستحيل الجهل عليه تعالى .. ويستحيل عليه تعالى الموت .. ويستحيل عليه تعالى الصمم .. ويستحيل عليه تعالى العمى .. ويستحيل عليه تعالى البكم ... !
وبين طريقة القرآن: {ليس كمثله شيء}، {هل تعلم له سميا}، {ولم يكن له كفوا أحد}، وفي الإثبات: {الرحمن الرحيم}، {العلي الحكيم}، {السميع البصير}، لتعرف الفرق بينهما.
11 - قال في "الفرق العظيم" (ص54): ثم أين هي تلك النصوص التي يمتليء بها القرآن الكريم والتي تصرح بالجهة، نحن نتحدى الشوكاني وغيره أن يأتينا بنص واحد فيه إثبات الجهة في الكتاب أو السنة، وكيف لم ترد الجهة في القرآن منسوبة إلى الله تعالى ولا في السنة كذلك ولا وردت عن صحابي.
قلت: قوله الجهة من باب قلب الحقائق؛ فهو ليتوصل لنفي علو الله على خلقه يسميها جهة.
أ- قال ابن القيم: وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة؛ إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى. ولكن لا يلزم من كونه فوق العرش هذا المعنى. وإن أردتم بالجهة أمراً يوجب مباينة الخالق للمخلوق, وعلوه على خلقه, واستواءه على عرشه فنفيكم لهذا المعنى الباطل, وتسميته جهة اصطلاح منكم توصلتم به إلى نفي ما دل عليه العقل والنقل والفطرة, وسميتم ما فوق العالم جهة, وقلتم منزه عن الجهات, وسميتم العرش حيزاً, و قلتم ليس بمتحيز, وسميتم الصفات أعراضاً, وقلتم الرب منزه عن قيام الأعراض به ().
وقال ابن رشد في "مناهج الأدلة": وأما هذه الصفة – أي الجهة - فلم يزل أهل الشريعة في أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي, ومن اقتدى بقوله, وظواهر الشرع تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، ومثل قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، ومثل قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، ومثل قوله: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}، ومثل قوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، ومثل قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}، إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً, وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابهاً، لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء, وأن منها تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين, وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي ? حتى قرب من سدرة المنتهى.
قال: "وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك, والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية. قال: ونحن نقول: إن هذا كله غير لازم؛ فإن الجهة غير المكان" ().
ب- طريقتهم في نفي العلو عن الله، فقد قال المعترض في "تهذيب شرح السنوسي" (ص61): فيستحيل على الله أن تأخذ ذاته قدراً من الفراغ، ويستحيل عليه تعالى أن يكون جرماً أو يكون عرضاً يقوم بالجرم, ويستحيل على الله تعالى أن يكون في جهة للجرم بأن يكون فوق العرش مثلاً أو تحته أو يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه، لأن الله تعالى لو كان في جهة للجرم لكان جرما ولو كان جرماً لانتفت المخالفة.
ج- إن في القرآن والسنة أكثر من ألف دليل على إثبات العلو لله.
¥