قال البيجوري في: "والإدراك في حق الحادث هو تصور حقيقة الشيء المدرك, وأما في حقه تعالى على القول به فهو صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تسمى الإدراك. قيل: إنه يدرك بها كل موجود. وقيل: يدرك بها الملموسات كالنعومة, والمشمومات كالروائح, والمذوقات كالحلاوة من غير اتصال بمحالها التي هي الأجسام ولا تكيف بكيفيتها لأن الاتصال, والتكيف إنما هو عادي في حصول الإدراك وقد ينفك. وقد صرح بعض المتأخرين بأنها صفة واحدة لكن الواقع في كتب علم الكلام أنها ثلاث صفات إدراك الملموسات, وإدراك المشمومات, وإدراك المذوقات, ودليل المثبتين لها كالباقلاني وإمام الحرمين بأنها كمال, وكل كمال واجب لله. لأنه لو لم يتصف بها لا تصف بضدها وهو نقص والنقص عليه تعالى محال؛ فوجب أن يتصف بها على ما يليق به من غير اتصال بالأجسام ومن غير وصول اللذات والآلام له تعالى ().
فما رأي هذا المعترض بهذا الكلام عن أرباب علماء الأشاعرة؟!
19 - الأشاعرة في باب الإيمان مرجئة جهمية:
ومنه قول صاحب "الجوهرة":
وفسر الإيمان بالتصديق النطق فيه الخلف بالتحقيق
قال فودة في "تهذيب شرح السنوسية" (ص134): والراجح في مسألة الإيمان أن الإيمان هو التصديق بالقلب ققط! وأما النطق بالشهادتين فهو شرط إجراء أحكام المسلمين عليه ثم علق في الحاشية: القول بأن التلفظ بالشهادتين شرط صحة ضعيف!
وقال أيضا في "النقد" (ص49): .. علموا أن العمل ليس داخلاً في ماهية الإيمان .. ووجدوا عدم دخول الأعمال في ماهية وحقيقة الإيمان واضحاً، ثم قال بعد ذلك: أما الأعمال فقد بالغ الحشوية المجسمة في القول بأنها تدخل في صميم الإيمان.
قلت: فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي ? أن يقول لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله، لأنه لا شك في تصديقه له بقلبه هو, ومن شابهه على مذهبهم من أهل الجنة ().
وأما المجسمة الذين عناهم المعترض كالشافعي الذي يقول: في كتاب "الأم" في باب النية في الصلاة .. وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر!
20 - إنكاره الإرادة الشرعية:
1 - أنكر فودة الإرادة الشرعية موافقاً لمذهب المعتزلة والأشاعرة كما في "بحوث في علم الكلام" (ص118).
2 - سبب إنكار الأشاعرة الإرادة الشرعية لأنها تتعلق بالرضى والمحبة وهم ينكرون إثبات هذه الصفات في حق الله تعالى ولذلك يؤولونها.
3 - قوله: وقد استقرأت جميع المواضع القرآنية التي تكلمت على الإرادة, وبحثت في ما تعلقت به فوجدته واقعاً بلا أدنى تخلف.
قلت: قال تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7]. فالله لا يرضى الكفر لعباده شرعاً, وإن كان أراده كوناً.
ثم وقفت على كلام لابن حجر، حيث قال: وقال بعضهم: الإرادة على قسمين إرادة أمر وتشريع وإرادة قضاء وتقدير؛ فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا، والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية، وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]. وإلى الثاني الإشارة بقوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الانعام:125] (). فتأمل
فإن قيل: ما الحكمة في أمره بشيء وهو يعلم أنه لا يريد وقوعه كوناً وقدراً؟ فالجواب: أن الحكمة في ذلك ابتلاء الخلق وتمييز المطيع من غير المطيع وقد صرح الله تعالى بهذه الحكمة؛ فإنه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده مع أنه لم يرد وقوع ذبحه بالفعل كوناً وقدراً, وقد صرح بأن الحكمة في ذلك ابتلاء إبراهيم حيث قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ} [الصافات:106]، فظهر بطلان قول المعتزلة أن لا يكون أمراً إلا بإرادة وقوعه .. وقد يشاهد السيد يأمر عبده اختياراً لطاعته ونيته أنه إن أظهر الطاعة أعفاه من فعل المأمور به فهو أمر دون إرادة وقوع المأمور به ().
21 - قوله إن العرب لم يقروا بتوحيد الربوبية:
1 - قال في "نقض التدمرية" (ص155): إذن يتبين من ذلك أن ادعاء ابن تيمية أن العرب كانوا مؤمنين بالربوبية لله ادعاء باطل.
¥