قلت: أدلة إثبات أن العرب كانوا مقرين بتوحيد الربوبية كثيرة جداً:
قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [لقمان:25].
وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9].
2 - قوله: حصر توحيد الأفعال في توحيد الخالقية الذي يسميه ابن تيمية توحيد الربوبية غلطاً ومغالطة غير صحيح؛ فإن التوحيد في الأفعال أعم وأيضا فإن توحيد الربوبية ليس معناه فقط توحيد الخالقية حتى يقال إن العرب كانوا يقولون به بل هو أعم.
قلت: أما زعمه أن شيخ الإسلام حصر الربوبية في الخلق فهو من تدليسه، فتوحيد الربوبية معروف عند أصغر طلبة العلم أنه إفراد الله في الخلق والملك والتدبير أو إفراد الله بأفعاله, وأفعاله لا تنحصر من خلق وتدبير ورزق وإحياء.
وقد ناقض نفسه، فقال في "تهذيب شرح السنوسية" (ص91): وتوحيد الأفعال مرجعه إلى أن الله هو الفاعل وحده أي أن الله هو الخالق وحده!
3 - تكذيبه لشيخ الإسلام: قال في "نقض التدمرية" (ص155): وأما قوله إن علماء التوحيد جعلوا الإلهية هي القدرة على الاختراع فهو كذب عليهم، بل هم قرروا أن الإله ليس فقط هو الخالق بل هو المتصف بجميع صفات الألوهية ومنها الأمر والنهي والتدبير والعلم وغير ذلك من الصفات العلا.
قلت: وفي كلامه من التخليط ما يلي:
أ- خلطه بين توحيد الربوبية والألوهية؛ فتوحيد الألوهية أو العبودية معناه إفراد الله بالعبادة أو إفراد الله بأفعال العباد وليس كما عرفه؛ فما عرفه لا يخرج عن تعريف الربوبية.
ب- تكذيبه لشيخ الإسلام أولاً، وثانياً جهله أو تجاهله بمذهبه.
قلت: قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري: إذا كان الخالق على الحقيقة هو الباري تعالى لا يشاركه في الخلق غيره فأخص وصفه تعالى هو: القدرة على الاختراع. قال: وهذا هو تفسير اسمه تعالى الله ()!
ثم ناقض المعترض نفسه، فقد عرف الوحدانية كما في "شرح تهذيب السنوسية" (ص41): حقيقة الوحدانية عبارة عن نفي التعدد في الذات والصفات والأفعال.
ثم قال: فوحدانية الذات تنفي الكم المتصل والمنفصل، فالمتصل أن تكون ذاته مركبة من جواهر وأعراض أو أن تكون مركبة. ووحدانية الصفات تنفي الكم المتصل والمنفصل، فالمتصل أن يكون له قدرتان وإرادتان، وتنفي المنفصل بأن يكون لأحد من المخلوقين كصفات الله تعالى، ووحدانية الأفعال تنفي الكم المنفصل فقط بأن يكون غيره يفعل كفعله وهذا محال لأن الله لا شريك له في أفعاله بل هو المنفرد بالإيجاد والإعدام.
قلت: وهذا التعريف لا يخرج عما ذكره شيخ الإسلام لا يتعدى إثبات القدرة على الاختراع ().
وقال في "السنوسية" (ص115): معنى الألوهية استغناء الإله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه.
ودليل الوحدانية عندهم كما في "شرح السنوسية" (ص92): والدليل على الوحدانية أن نقول: لو لم يكن واحداً في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله لزم أن لا يوجد شيء من العالم أجراماً كانت أو أعراضاً للزوم عجزه حينئذ!
22 - تقريره لمذهب الكسب والذي باعترافه أنه من المسائل التي تفرد بها الأشاعرة عن سائر المذاهب.
قلت: ولهذا كان يقال عجائب الكلام ثلاثة: أحوال أبي هاشم، وطفرة النظام، وكسب الأشعري.
نقل فودة في (ص42) من "تهذيب السنوسية" ما نصه: ليس في الوجود فعل لغيره عز وجل بل هو الفاعل لجميع الأفعال وما يظهر من الأفعال على يد الخلق، إنما لهم فيها كسب وهو مقارنة القدرة للفعل عند وجوده فإذا أراد الإنسان فعلاً كالقيام مثلاً فالله تعالى هو الذي يخلق ذلك القيام، ويخلق لذلك العبد قدرة تصاحبه عند وجوده، وتلك القدرة لا تأثير لها في القيام وإنما هي مصاحبة له وهكذا جميع الأفعال.
قلت: وهو بذلك يقرر مذهب الجهمية () الذين قالوا إن الله يجبر العبد على الطاعة أو المعصية, ولذلك قال بعض الأشاعرة: إن العبد مجبور في الباطن, وهي بمعنى العبارة المشهورة عندهم أن العبد مجبور في صورة مختار ()، وإن حاول المعترض أن يتهرب من قبح العبارة. والذي جرهم إلى ذلك أنهم لما وجدوا أن المعتزلة يقولون الإنسان يخلق فعل نفسه قابلوهم ببدعة لا تقل عن قبح ما يقوله المعتزلة.
¥