تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بمنزلة النصوص الشرعية , وهناك وسائل أخرى كثيرة استعملوها في التخلص من هذه السلطة.

والملاحظ أنهم قد ركزوا على دعوى التأثير السياسي في بناء القواعد العلمية كثيرا , والسبب في تركيزهم على إثبات تأثر العلماء والأئمة في وضعهم لبعض القواعد العلمية بالسلطة الحاكمة هو أنهم أرادوا بذلك أن يهونوا من شأن هذه القواعد في نفوس الدارسين والمطبقين لها , لأن ربط القضايا العلمية بالرغبات السياسية يوجب توجه النقد إليها ,وذلك لثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن المواقف السياسية كثيرا ما يقع فيها الظلم والمغالبة , والنفوس البشرية مجبولة على النفرة منهما , فكون القاعدة العلمية متأثرة بمثل هذه المواقف الظالمة أدعى إلى نفرة النفوس منها وعدم قبولها , ومن ثم استسهال نقدها وتجاوزها.

الأمر الثاني:أن إثبات تأثر القاعدة العلمية بالمواقف السياسية يستلزم عدم موضوعيتها وصدقها , لأن هذه المواقف غالبا ما تبنى على المصالح الشخصية والرغبات النفسية , ولا ينظر فيها إلى النصوص الشرعية ودلالاتها , وكونها ليست مبنية على مقتضى دلالات النصوص يستلزم بطلانها ومن ثم وجوب نقدها , ويستلزم أيضا أن تكون خاصة بذلك الظرف المعين ولا تكون قاعدة مطلقة وثابتة لأن المصالح الفردية لا يمكن أن تتعدى ظرفها الذي كانت فيه.

الأمر الثالث: أن كون العلماء وضعوا بعض القواعد الشرعية بناءا على رغبة السلطة الحاكمة يدل على خيانتهم وعدم صدقهم في ديانتهم , والخائن لا يمكن أن يتبع فيما قاله.

فهذه الأوجه الثلاثة توجب ذم ونقد ما بني على مقتضى الأغراض السياسية من القواعد العلمية والشرعية في أمرين وهما: الأول: القدح في موضوعيتها , والثاني: القدح في سلامة الغرض من وضعها , فإن كل قاعدة دينية شرعية لا بد أن تخلوا من هذين القادحين , وكونها متأثرة بالأغراض السياسية يوجب عدم خلوها من أحدها على الأقل.

وحاصل ما تنتهي إليه هذه الدعوى هو: أن القواعد والأصول التي ذكرها الأئمة في مصنفاتهم لا يمكن أن تكون مطلقة في كل زمان ومكان , وإنما هي خاصة بذلك الزمن , أو ذلك العالم الذي وضع تلك القاعدة , أو تلك الحالة السياسية التي وضعت القاعدة لأجلها , وهذه هي النظرية التي تسمى بـ "التاريخية في الأفكار والمعتقدات ", وهى من أكثر النظريات ذكرا في كتب هؤلاء.

ومما ينبغي أن يعلم أن المستعملين لهذه الدعوى طائفتان: الأولى: من اعتمد المذهب الماركسي , ومن أصول هذا المذهب كما هو معلوم , ربط القضايا والأحداث بالصراعات الاجتماعية والسياسية بين طبقات المجتمع , فالأحداث العلمية أو القيم الإنسانية أو غيرها مما يتعلق بالمجتمعات , إنما تحدث في المجتمعات لأسباب الصراعات السياسية والاقتصادية , وهذا ما يطلق عليه التفسير المادي للتاريخ , وحقيقته:أن كل تغير في المجتمع هو نتيجة الصراع بين طبقات المجتمع (29) , ومن الشخصيات التي طبقت هذا المذهب على الفكر الإسلامي: حسين مروة ونصر حامد أبو زيد وصادق جلال العظم ومحمد أركون وغيرهم , والثانية: من أثبت التأثير السياسي ليجد له مبررا في نقد ما أراد نقده من غير اعتناق لأصل ماركسي.

ونحن ليس من همنا هنا تمييز الطائفتين إحداهما عن الأخرى , وإن كان تمييزها نافع في المناقشة والرد , وإنما الذي يهمنا هو البحث في حقيقة هذه الدعوى وتطبيقاتها على الجانب العلمي في الفكر الإسلامي.

فحقيقة هذه الدعوى كما سبق هي: أن الولاة قد تدخلوا في وضع الأصول والقواعد الشرعية على مقتضى أهوائهم , وأن علماء الأمة كانوا في طوعهم وتحت سيطرتهم , وأن أئمة المسلمين كانوا يمارسون ما يمكن أن يسمى نفاقا فكريا على جمهور الأمة المتبعين لهم.

فهذه الدعوى ترجع في حقيقتها بالاتهام لأئمة الإسلام بالخيانة , وإلى ولاة المسلمين من بني أمية وبني العباس بالتسلط والجرأة على تغيير شرع الله.

المسألة الثانية

مناقشة هذه الدعوى وبيان بطلانها

يمكن مناقشة هذه الدعوى - التي يزعم فيها أصحابها أن العلماء والأئمة قد وضعوا بعض الأصول الشرعية بناءا على الرغبة السياسية وليس على ما تقتضيه النصوص - من طريقين:

الأول: طريق إجمالي ويقصد به: بيان ما في هذه الدعوى من بطلان , وما تقتضيه من لوازم على الوجه الإجمالي من غير دخول في تفاصيل التطبيقات التي ذكروها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير