تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من أظهرها الدولة الإيرانية في العصر الحاضر , وكذلك أصحاب المذهب الصوفي استغلوا تأييد الدولة العثمانية لهم فنشروا مذهبهم في الأمة , وكذلك أصحاب الاتجاهات الماركسية والقومية والعلمانية وغيرها استغلوا تأييد الحكومات لهم في نشر ما يرون , واضطهاد من يحاربهم ويقف في طريقهم , وقد اعترف بعضهم بأنهم كانوا يتلقون دعما من الحكومات والمنظمات الغربية (33) , والمقصود أن كل مذهب قد استعمل القوة والسلطة في فرض قوله , وليس هذا خاصا بالمذهب السلفي لو سلم أنهم استعملوا القوة في فرض قولهم على الناس.

3 - وإن قصد أن السياسة قد أثرت في أئمة المذهب السلفي بمعنى أنهم كانوا يؤصلون القواعد العلمية لأجل الولاة والسلطة -وهذا المعنى هو الذي يقصده أصحاب هذه الدعوى- ,فإن هذا لا يمكن أن يكون صحيحا , وهو محل الإنكار عليهم.

والحاصل مما سبق أن القول بتأثر الحالة العلمية عند أئمة السلف بالسياسة له أحوال منه ما هو صحيح ومنه ما هو باطل , وبهذا يتحرر محل البحث في هذه الدعوى.

الوجه الثاني: أن يقال: إن أصحاب هذه الدعوى لم يذكروا ما يدل على صحة ما ادعوه من التأثير السياسي على القواعد العلمية التي أصلها الأئمة , فلو سئلوا من الإمام المعتبر الذي وضع القاعدة المعينة من أجل غرض سياسي؟ , فإنهم لم يذكروا دليلا صحيحا على ما ادعوا , وإن ذكر بعض الأخبار مما يمكن أن يدل على ما ادعى فإنه يطالب بصحة هذه الأخبار , فالعلواني مثلا لما ذكر أن الإجماع السكوتي إنما اعتبر حجة لأن الوالي كان يجمع العلماء ويقرأ عليهم قاضي القضاة ما يريد الوالي فيسكتون فسمى إجماعا سكوتيا , فإنه يمكن أن يقال له من هذا الوالي الذي كان يفعل هذا الفعل؟ , ومن هم الأئمة الذين كانوا في مجلسه؟ , وهل كل من قال بحجية الإجماع السكوتي كان حاضرا في ذلك المجلس؟ وقبل ذلك من ذكر هذه القصة من نقلة الأخبار؟! , وقل مثل ذلك في كل ما يذكرونه من أمثلة وتطبيقات , وممن ذكر مثل هذا النقد , وهو عدم ذكر الدليل على التأثير السياسي , قطب سانو , فقد انتقد الجابري لما أرجع محنة الإمام أحمد , وما وقع فيها من أحداث , ومحنة ابن رشد في الأندلس إلى أسباب سياسية , بأن الجابري لم يذكر ما يدل على كونها كذلك , وفي هذا يقول: " القول بأنّ ظهور المثقف عبر التاريخ مرهون بظهور الخلاف ذي الطبيعة السياسية في أكثر الأحيان مفتقر إلى دليل علمي مساند، وخاصّة أنّ نكبة ابن رشد التي أوردها لم يسبقها ظهور أيّ خلاف البتة، إذ لم تكن ثمة قضية سياسية يختلف حولها، الأمر الذي يجعل المرء في حِلٍّ من قبول هذه الدعوى غير السديدة , وفضلاً عن ذلك فإنّ الحادثة التي اتخذها المؤلف أصلاً لإثبات هذه المقولة لا تدلّ في صميمها على خلاف جوهري في السياسة، وعلى فرض اعتبارها خلافاً في السياسية، فإنها وحدها لا تكفي لإثبات قاعدة عريضة كهذه، فقد كان حرياً بالمؤلف البرهنة عليها عبر جملة من الحوادث، وهو ما لم يحصل، وإنما عمد إلى إسقاط القاعدة على محنتي ابن حنبل وابن رشد دونما برهان ولا حجة مقنعة، ومع وجود الفارق الجذري بينهما وبين القاعدة الأصل" (34) , وقطب سانو هنا ينكر عدم ذكر الجابري الدليل فقط , ولا ينكر إمكان تحقق هذه الدعوى في الفكر الإسلامي من العلماء كما سبق نقل كلامه في أصول الفقه.

والمقصود هنا: أنهم يذكرون دعاوى كثيرة خالية من الدليل الذي يدل على صدقها , وهذه إحدى صفات منهج هؤلاء في البحث العملي , وهي صفة الخلو من الدليل.

وقد اجتمع في منهج بحثهم في الغالب عدة أوصاف منافية لأوصاف البحث العلمي , ومن هذه الأوصاف: الانتقائية في البحث وعدم الموضوعية , ومنها: التعميم في النتائج والأحكام والتعميم الذي ينكر عليهم له معنيان: المعنى الأول: هو أن يجد حالة واحدة في فترة من فترات الفكر الإسلامي فيعمم حكمها على ذلك الفكر كله أو حتى على ذلك الجيل كله الذي وقعت فيه تلك الحادثة , والمعنى الثاني: هو أنهم يعممون ما حصل لهم ولأفكارهم من تدهور وسقوط على الفكر الإسلامي كله , ومن أمثلة ذلك ما فعله الماركسيون لما سقط فكرهم أصبحوا يعبرون عن سقوطهم هذا بتعبيرات عامة مثل " أزمة الثقافة العربية " أو " أزمة الفكر أو العقل العربي " وهو في الحقيقة يقصد حاله (35) , ومن أوصاف بحثهم: عدم الحرص على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير