تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما الآية: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فليس فيها دليل؛ لأني قرأت لأحد العلماء فيها ما يأتي ــ وقد اقتنعت بكلامه ــ: " قوله تعالى: ? وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ ? لا يدل بحال على العفو عن أصحاب الكبائر دون الشرك مع الإصرار عليها، ذلك لأن هذه الآية جاءت في موضعين من سورة النساء في مقام التحضيض على دخول من لم يسلم في الإسلام، فهي في الموضع الأول مسبوقة بقوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ? (1)، ثم تلا ذلك قوله سبحانه: ? إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ ? فيفهم من هذا السياق أن المراد بالآية أن الله لا يغفر لمن بقي على شِركه غير نازع عنه إلى التوحيد، ولو تاب من سائر آثامه فإن توبة المشرك لا تكون إلا بالتوحيد الذي هو أساس الصالحات، ومحور البرّ، كما أن الشرك أم الفجور، وقوله: ? وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ ? أي مادون الشرك من معاصي المشركين لمن شاء أن يوفقه للتوبة من شركه منهم، فإن الإسلام جب لما قبله، وكل من أسلم مخلصاً لله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولم تلحقه تبعة، ولا يعلق به إثم مما قارفه في جاهليته من أنواع المعصية، وهو معنى قوله تعالى: ? قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَف ? (1) ولا خلاف بين الأمة في ذلك، وتفسير هذه الآية بغير هذا يخرجها عما يقتضيه سياقها.

وأما الموضع الثاني فقد سُبِقَت فيه بقوله تعالى: ? وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ? (2) فحملها على غير ما ذكرته من تفسيرها مخرج لها عما يدل عليه أيضاً سياق ما قبلها، فإن قوله تعالى: ? إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ? تقرير فيه معنى التعليل لقوله: ? وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ .. الخ الآية ? وقوله: ? وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ ? وعد لمن أسلم من المشركين بغفران ما تقدم من خطاياهم بعد ما تقدمه من وعيد لمن أصر على شركه، وبهذا يتبين وجه إعادة لفظ الآية مرة أخرى مع عدم اختلاف إلا في الفاصلة، فقد فصلت أولاً بقوله تعالى: بـ ? وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ? (3) وفصلت ثانيا بقوله: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ? (4) وبهذا يمكن الجمع ما بينهما وبين آيات الوعيد القاطعة بإنجازه كالوعد.

وأما ما ذكره الفخر من أن آية قتل العمد هي إحدى عمومات الوعيد وعمومات الوعد أكثر من عمومات الوعيد.

فجوابه أنه لا تنافي بين هذه وتلك حتى يرجح جانب منها على جانب، لأن عمومات الوعيد في المصرّين، وعمومات الوعد في التائبين، والكل من عند الله تعالى الذي لا إخلاف لميعاده، ولا تبديل لكلماته، ولا معنى لترجيح بعض أخبار الله على بعض مع استحالة الكذب في جميع أخباره تعالى، وإنما يجب أن يوضع كل موضعه، ويؤول بتأويله.

وقال صاحب المنار - بعدما تحدث في تفسير الآية -: " قد استكبر الجمهور خلود القاتل في النار، وأوله بعضهم بطول المكث فيها، وهذا يفتح باب التأويل لخلود الكفار، فيقال إن المراد به طول المكث أيضاً، وقال بعضهم إن هذا جزاؤه الذي يستحقه إن جازاه الله تعالى، وقد يعفو عنه فلا يجازيه، رواه ابن جرير عن أبي مجلز، وفيه أن الأصل في كل جزاء أن يقع لاستحالة كذب الوعيد كالوعد، وأن العفو والتجاوز قد يقع عن بعض الأفراد لأسباب يعلمها الله تعالى، فليس في هذا التأويل تفص من خلود بعض القاتلين في النار، والظاهر أنهم يكونون الأكثرين، لأن الاستثناء إنما يكون في الغالب للأقلين، وقال بعضهم إن هذا الوعيد مقيد بقيد الاستحلال، والمعنى ومن يقتل مؤمنا متعمدا لقتله مستحلا، له فجزاؤه جهنم خالداً فيها .. الخ، وفيه أن الآية ليس فيها هذا القيد، ولو أراده الله تعالى لذكره كما ذكر قيد العمد وأن الاستحلال كفر، فيكون الجزاء متعلقا به لا بالقتل، والسياق يأبى هذا، وقال بعضهم إن هذا نزل في رجل بعينه فهو خاص به، وهذا أضعف التأويلات لا لأن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب فقط، بل لأن نص الآية على مجيئه بصيغة العموم (من الشرطية) جاء بفعل الاستقبال فقال: (وَمَن يَقْتُلْ)، ولم يقل: (وَمَن قُتِلَ)، وقال آخرون: إن هذا الجزاء حتمٌ إلا من تاب وعمل من الصالحات ما يستحق به العفو عن هذا الجزاء كله أو بعضه، وفيه أنه اعتراف بخلود غير التائب المقبول التوبة في النار ".

وبعدما قطع شوطاً في الكلام على توبة قاتل العمد: نقل عن الإمام محمد عبده ما يؤكد أن عقيدته في قاتل العمد إذا لم يتب أنه مخلد في النار والعياذ بالله ".

وأما الأحاديث التي أوردتها فهي آحادية، ولا يمكن لي أن أبني عقيدتي التي أغرسها في قلبي على ظن، إن يتبعون إلا الظن، ولا يغني الظن عن الحق شيئا.

نعم في العمل أتمسك به لا في العلم (العقيدة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير