[الطبيعة البشرية للرسول]
ـ[شتا العربي]ــــــــ[30 - 05 - 07, 06:53 م]ـ
[الطبيعة البشرية للرسول]
بقلم د. عبد المعطي بيومي 30/ 5/2007
(1)
صدم الناس في الأيام الأخيرة بفتويين غريبتين: الفتوي الأولي: جواز إرضاع الكبير .. الفتوي الثانية: جواز التبرك بشرب بول الرسول صلي الله عليه وسلم .. ولكل من الفتويين خطأ وخطر.
أما الخطأ فهو ناتج من التعميم، وفساد الاستدلال، وأما الخطر فلما يقع ويترتب علي إرضاع الكبير من مفاسد وفواحش، ولما يترتب علي الثانية (جواز التبرك بشرب بول الرسول صلي الله عليه وسلم) من فساد العقيدة حول بشرية الرسول صلي الله عليه وسلم، ولذلك كانت هذه الفتوي أشد خطراً، لأن الأولي تقع في باب الأحكام الشرعية والفرعية، لكن الثانية تقع في مجال العقيدة وما يترتب علي فساد العقيدة في الرسول من شبهات الشرك، ووقوع التوهم في طبيعة الأنبياء عبر تاريخ الأمم أوقعها في فساد الاعتقاد في الله ورسله وهو أصل الإيمان وجوهر التوحيد.
كما أن خطر الفتوي الأولي انتهي باعتذار صاحبها وإعلان رجوعه إلي الحق، لكن خطر غلو فتوي البول يظل قائماً بمكابرة صاحبها وإصراره علي معاندة الحق بدل الرجوع إليه، والتوافق مع إخوانه العلماء.
(2)
ونحن نعلم أن أساس الاعتقاد في الإسلام قام علي حقيقة أن أنبياء الله ورسله بشر يعتريهم ما يعتري الطبيعة البشرية من قوة وضعف وصحة ومرض، يأكلون مما يأكل الناس منه ويشربون مما يشربون ويعتريهم كل ما يعتري البشر.
وقد كان هذا مثار استغراب غير المؤمنين، لأنهم يحسبون أنه مادام الله قد اصطفي أحداً ليكون رسولاً فلابد أن يكون أعلي من البشر بأن يكون ملكاً، وعلي الأقل يتنزل معه ملك.
يقول تعالي: «وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً» (الفرقان 7)، وقال تعالي: «وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون. ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون» (الأنعام 8 و9).
وقال سبحانه: «وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدي إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا. قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً» (الإسراء 94، 95)، أي لو كان المرسل إليهم ملائكة لنزلنا إليهم ملكاً رسولاً، ولكنهم ماداموا بشراً فإن الحكمة والملاءمة تقتضي أن يبعث إليهم بشر مثلهم، وأوحي الله إلي نبيه أن يقول لهؤلاء الذين يتوقعون أن يرسل الله إليهم من يكون مختلفاً عن البشر: «قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً» (الإسراء 93).
وما كان هذا الإصرار علي تأكيد بشرية الرسول في القرآن الكريم وجعلها أساساً في الاعتقاد إلا لأمرين في غاية الأهمية في العقيدة، وهما:
1 - تحديد الصفات الإلهية وأن أحداً من البشر بمن فيهم الأنبياء والرسل رغم معجزاتهم البالغة لا تعتريهم طبيعة إلهية بوجه من الوجوه حتي لا يعبدوا من دون الله، خاصة أن المنزلق الذي كانت تنزلق فيه العقول منذ فجر التاريخ أن الناس كانوا سرعان ما يؤلهون ذوي القوي من الملوك أو الرسل فيجعلونهم آلهة أو أبناء آلهة، حدث ذلك في الحضارة المصرية القديمة وفي الحضارة الفارسية، وحدث كثيراً في التاريخ الإنساني كله في الماضي، فها هو زرادشت مثلاً نبي قدامي الإيرانيين كما يقال عنه تحول إلي معبود، ولعلنا نلاحظ بوضوح أمر الله لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم يتكرر في القرآن الكريم: «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد» (الكهف 110، فصلت 6).
فمن أجل التأكيد علي عقيدة التوحيد يتم تأكيد عقيدة بشرية الرسول، فإذا حدث خلط وتغليط في بشرية الرسول يتم الخلط والتغليط في عقيدة التوحيد بنفس القدر، وقد ظلت العقيدة الإسلامية كل هذه القرون قائمة علي عقيدة التوحيد الخالص لله والبشرية الخالصة للرسول صلي الله عليه وسلم، ولم تفلح الشطحات الصوفية التي يتجاوز بها مقام الحب عندهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وعدم إحكام العاطفة المتأججة بضوابط الشريعة أن تشوه العقيدة الإسلامية في بشرية الرسول وأنه ليس ملكاً أو إلهاً أو ابن إله وإنما هو بشر أو كما قال عليه الصلاة والسلام: «ابن امرأة من قريش».
¥