[من درر ابن الوزير رحمه الله ومن مخازي القوم!!]
ـ[فيصل]ــــــــ[07 - 06 - 07, 06:34 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
من درر ابن الوزير رحمه الله ما نقله الشيخ الغتيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري ج1/ 77 - 80 عن كتاب ابن الوزير" إيثار الحق على الخلق " (1)
قال ابن الوزير:
"الأمر الثاني: وهو النقص في الدين، برد النصوص والظواهر، ورد حقائقها إلى المجاز، من غير حجة قاطعة، تدل على ثبوت الموجب للتأويل، إلا مجرد التقليد لبعض أهل الكلام في قواعد لم يتفقوا عليها، وأفحش ذلك مذهب القرامطة الباطنية في تأويل الأسماء الحسنى كلها، وفيها عن الله-تعالى-، على سبيل التنزيه له عنها، وتحقيق التوحيد بذلك، ودعوى أن إطلاقها يقتضي التشبيه، حتى قالوا: لا يقال" إنه موجود، ولا معدوم.
فكما أن كل مسلم يعلم أن هذا كفر صريح، فكذلك المحدث الذي طالت مطالعته للآثار، وقد يعلم أن تأويل بعض المتكلمين مثل ذلك.
ومن الضروري ورود أسماء الله الحسنى في كتابه على سبيل التمدح بها والثناء العظيم عليه بها، ألا ترى-مثلاً- أن الرحمن الرحيم متلوان في جميع الصلوات، مذكوران في أكثر محافل المسلمين، مجمعين على أنهما أحسن الثناء على الله- تعالى- متقربين إلى الله-تعالى- بمدحه بهما؟
وكرر-تعالى- التمدح بالرحمة في كتابه أكثر من خمسمائة مرة، باسم الرحمن أكثر من مائة وستين مرة، وباسمه الرحيم أكثر من مائتي مرة، وجمعهما مائة وستين مرة. وجاء الرحيم مقترناً مع التواب مراراً، ومراراً مع الرؤوف، والرأفة أشد الرحمة، مراراً مع الغفور، وهي كثيرة، عرفت منها سبعة وستين موضعاً.
وقد فطر الله العقول على معرفة رحمة الله، وسعة علمه، وكمال قدرته.
فما هو المانع من إثبات صفة الرحمة ونحوها مما أثبته الله ورسوله، مع نفي النقائص المتعلقة بصفات المخلوقين في حياتهم، وكذلك كل صفة يتصف بها الرب-تعالى- ويوصف بها العبد. فإنه –
جل وعلا- يوصف بها على أكمل وجه، خالية عن جميع النقائص، والعبد يوصف بها على ما يناسبه، من نقص وضعف، وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه، ولم يفسروه بنفي الصفات كما فعل المعطلة.
ومما يدل على بطلان التأويل: كون المعتزلة يسخرون من تأويل الأشعرية للحكيم، والأشعرية تسخر من تأويل بعض المعتزلة للسميع البصير، وأهل السنة يسخرون من تأويل الفريقين للرحمن الرحيم، وما أشبههما، والكل يسخر من تأويل القرامطة. فيجب إثبات ما وصف الله به ذاته الكريمة، من غير تأويل، ولا تعطيل.
ولا يجوز القول بأن ظاهر هذه الأسماء كفر، وضلال، وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا ذلك، أو أنهم فهموه ولم يقوموا بالواجب من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق؛ لأمرين:
الأول: قاطع ضروري، وهو أن العادة توجب أن ما كان كذلك أن يظهر التحذير منه، من رسول الله-صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه، ويتواتر أعظم من تحذيرهم من الدجال الكذاب، ولا يجوز-مع كمال عقولهم وأديانهم- أن يتركوا صبيانهم ونساءهم وعامتهم يسمعون ما ظاهره كفر، منسوباً إلى الله- تعالى- ورسوله ويسكتون عليه، مع بلادة الأكثرين.
ولو تركوا بيان ذلك، ثقة بنظر العقول الدقيق، لتركوا التحذير من فتنة الدجال، فإن بطلان ربوبيته أظهر في العقول من ذلك، ألا ترى أن المتكلمين لما اعتقدوا قبح هذه الظواهر، تواتر عنهم التحذير عنها، وتأويلها، فصنفوا في ذلك، وأيقظوا الغافلين، وعلموا الجاهلين، وكفروا المخالفين، وأشاعوا ذلك بين المسلمين، بل بين العالمين، فكان أحق منهم بذلك سيد المرسلين وقدماء السابقين، وأنصار الدين، لو كان ذلك حقاً.
الثاني: أنه ثبت تحريم الزيادة في الدين، فلا يصح سكوت الشرع عن النص على ما يحتاج إليه، من مهمات الدين، فالإسلام متبع، لا مخترع، ولذلك كفر من أنكر شيئاً من أركان الدين؛ لأنها معلومة ضرورة، فأولى وأحرى أن لا يجيء الشرع بالباطل منطوقاً متكرراً من غير تنبيه على ذلك، لاسيما إذا كان ما سموه باطلاً، هو المعروف في جميع كتب الله، ولم يأت ما يعارضه من طريق شرعي، ولا عقلي، حتى يجب التأويل.
وكثير منهم يزعم أنه ما جاء التصريح بالحق في آية واحدة تكون هي المحكمة التي رد إليها جميع المتشابه، والله-تعالى- ذكر أنه أنزل في كتابه آيات محكمات، ترد إليها المتشابهات، ولم يذكر أن جميع كتابه متشابه، فبطل ما يقولون.
وقد اعترف الرازي- في كتابه "الأربعين"- وهو من أكبر خصوم أهل السنة- أن جميع الكتب السماوية جاءت بصفات الله تعالى ولم ينص الله-تعالى في آية واحدة على أنه منزه عن الوصف بالرحمة والحلم الحكمة، وما أشبه ذلك. والأمر ظاهر وإن لم يعترف به، وهذه الكتب السماوية موجودة.
وهبك تقول: هذا الصبح ليل ** أيعمى العالمون عن الضياء"
فلله دره على هذا الكلام القوي ولا شك أن نفي صفة الرحمه من فضائح القوم ومخازيهم.
([1]) " إيثار الحق على الخلق" (ص129 - 139) بتلخيص وتصرف الشيخ. وهو في طبعة الدار اليمنية -رسالة ماجستير - ص326 - 341.
¥