تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفصام النكد بين العلماء والمثقفين- لفضيلة الشيخ القاضي محمد الصادق مغلس المراني]

ـ[أبو عبد الله السعيدي]ــــــــ[28 - 05 - 07, 02:49 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

المجتمع المسلم كالجسد:

فإن المجتمع شأنه كشأن الفرد، وكما أن جسد الفرد يتكون من أعضاء يجمع بينها وينسق بين وظائفها الرأس، فيكون الكيان بجميع أعضائه موحداً يسعى إلى غايات محددة، فكذلك المجتمع لا بد من رأس ينسق بين تكويناته ويربط بين طاقات كيانه، وهذه حقيقة معلومة لكل ذي لب وإدراك.

وتمشياً مع هذه الحقيقة فقد عبرَّ عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارته الجامعة حين قال -كما في الحديث المتفق عليه-: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد}.

وكما أن الجسد السويّ لا يوجد بين أعضائه تنافر وفصام، فكذلك المجتمع السويّ لا يوجد بين تكويناته تنافر وفصام، وإنما انسجام ووئام.

وإذا وجد في جسد شذوذ في بعض الأعضاء، أو تمرد في بعض الخلايا؛ فإن ذلك يعتبر مرضاً لا بد من الإسراع في معالجته، فإن حصل العلاج تعافى الجسد، وإلاَّ فإن الداء يستشري، وربما شمل الجسد كله وقضى عليه، كما في حال الخلايا السرطانية المتمردة على نظام الجسد ووئامه.

وهذا ما نرى مثيله في بلاد المسلمين، إذ نجد أن نمو الشذوذات والانشقاقات فيها قد أدّى إلى تسرطنات قضت على وحدة الكيان وقتلت ذاتيته، وجعلته نهباً للسيطرة الخارجية، تماماً كالأمراض القاتلة التي تقتل الجسد، وتجعله نهباً للجراثيم والديدان والكائنات الأخرى.

.............................. .............................

الجسد (الكيان) الإسلامي رأسه العلماء:

إن الجسد الإسلامي كان رأسه الخلافة التي تنظم نشاطاته وتربط بين تكويناته، والخلافة تجمع بين الولاية والعلم الشرعي؛ لأنها خلافة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجمع بينهما في حياته بحكم النبوة.

وأحق الناس بهذه الخلافة العلماء؛ لأنهم ورثة الأنبياء، كما في الحديث الذي رواه أحمد والأربعة وابن حبان عن أبي الدرداء، وذكر الألباني في (صحيح الجامع) أنه صحيح.

وما كان يتولى الخلافة في دولة الإسلام إلا العلماء، ثم تطرّق الخلل في بعض أطوار التاريخ الإسلامي إلى الحكم، وتولىَّ غير العلماء الخلافة، فإنهم مع ذلك كانوا يجلُّون العلماء ولا يخرجون عموماً عن توجيهاتهم ومرجعيتهم، واستمرت هذه الحال إلى آخر خلافة حكمت المسلمين، وهي الخلافة العثمانية.

ولم تكن مرجعية العلماء محل نزاع؛ لأن الله أعطاهم هذه المكانة الرفيعة، وجعلها بعد مكانة النبوة، قال تعالى: ((يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) [المجادلة:11].

.............................. .............................

التاريخ الإسلامي مملوء بأخبار العلماء الذين أوتوا العلم درجات:

والتاريخ الإسلامي مملوء بأخبار العلماء الذين كانت كلمة الحق منهم وأحكامهم على الحكام، كأخبار طاووس وابن طاووس والحسن البصري وسعيد بن جبير ورجاء بن حيوة وأبي حازم، وغيرهم مع ملوك بني أمية وأمرائهم.

وأخبار أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان والفضيل بن عياض وعبد القادر الجيلاني وغيرهم مع ملوك بني العباس.

وأخبار العز بن عبد السلام وابن تيمية والنووي وغيرهم مع ملوك المماليك.

وكان من الحكام من يعرف هذه المرجعية للعلماء؛ فيعطيهم حقهم، ومنهم من يتجاهل؛ فيفرضها عليهم العلماء إلى حد كبير ومعهم الرأي العام.

وصدق القائل:

إن الملوك على العباد حكومة وعلى الملوك حكومة العلماء

إن الأمة بخير ما دامت مرجعيتها إلى العلماء، فهي بتلك المرجعية محمية من الضلال والانحراف، محروسة من المستوردات الباطلة والأهواء، وهذه هي الضمانة التي جعلها الله للهداية في المجتمع الإسلامي، وبدونها يضل المجتمع حكاماً ومحكومين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير