[ابن تيمية: "وهذه حجج قولية من أجود المقاييس العقلية لمن فهمها"]
ـ[أبوخليفة]ــــــــ[23 - 04 - 07, 08:25 ص]ـ
يذهب كثير من المتكلمين إلى نفي علو الله تعالى على عرشه، ومباينته لخلقه، ويزعمون أن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل عنه.
وهنا ينقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كلاما لأحد أئمة المتلكمين وهو ابن كلاب شيخ أبي الحسن الأشعري
يرد فيه على من يقول: إن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه.
وما بين القوسين المعقوفين [ .... ] هكذا فهو من كلامي.
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية ناقلا كلام ابن كلاب (1/ 94):
"يقال لهم: إذا قلنا: الإنسان لا مماس ولا مباين للمكان، فهذا محال؟
فلابد من نعم، [أي لابد أن يكون الجواب: نعم]
قيل لهم: فهو [أي الله -عز وجل-] لا مماس ولا مباين للمكان؟،
فإذا قالوا نعم.
قيل لهم: فهو بصفة المحال من الخلوقين الذي لا يكون ولا يثبت إلا في الوهم؟
فإذا قالوا: نعم.
قيل: فينبغي أن يكون بصفة المحال من كل جهة، كما كان بصفة المحال من هذه الجهة.
وقيل لهم: أليس لا يقال لما ليس ثابتا في الإنسان مماس ولا مباين؟
[أي: أليس يقال للمعدوم الذي لا وجود له ليس مماسا ولا مباينا للإنسان؟]
فإذا قالوا: نعم.
قيل: فأخبرونا عن معبودكم مماس هو أو مباين؟
فإذا قالوا: لا يوصف بهما.
قيل لهم: فصفة إثبات الخالق كصفة عدم المخلوق!، فلم لا تقولون: عدم، كما تقولون للإنسان عدم إذا وصفتموه بصفة العدم؟
وقيل لهم: إذا كان عدم المخلوق وجودا له [أي لله]، كان جهل المخلوق علما له، لأنكم وصفتم العدم الذي هو للمخلوق وجودا له، فإذا كان العدم وجودا كان الجهل علما والعجز قوة". [انتهى كلام ابن كلاب، وما يلي هو من كلام ابن تيمية]
فقد بيَّن في هذا الكلام امتناع أن يقال في الباري: ليس بمماس ولا مباين، فينفى عنه الوصفان المتناقضان اللذان لا يخلو الموجود منهما جميعا، كما هو معلوم بصريح العقل، فهذان ونحوهما متضادان في الإثبات، وفي النفي جميعا، وذكر على ذلك ثلاث حجج:
(أحدها): أن انتفاء هذين جميعا ممتنع في حق الإنسان محال، فإن جاز وصفه بهذا المحال جاز وصفه بغيره من المحالات.
قلت [والقائل ابن تيمية]: وهذا الإلزام مثل أن يقال: لا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، ولا حي ولا ميت، ونحو ذلك، كما يقول الملاحدة، فينفون المتقابلات.
(الحجة الثانية): أن سلب هذين جميعا يوصف به المعدوم الذي ليس بثابت في الإنسان، فإذا وصفوا بهما المعبود فقد جعلوا ما وصفوا به الثابت في حق الخالق، كما وصفوا أنه العدم في حق المخلوق،
فإذا جاز أن يوصف بما هو صفة المعدوم في حق المخلوق، لزم أن يوصف بنفس العدم، كما يوصف المخلوق بأنه عدم إذا وصف بصفات العدم.
(الحجة الثالثة): أنه إذا جاز أن يقال: إذا كان ما هو صفة عدم في حق المخلوق وجودا في حقه، جاز أن يكون ما هو جهل في حق المخلوق علما في حقه، وما هو عجز في حق المخلوق قدرة في حقه،
وجماع هذه الحجج وصفه بالمحال ووصفه بالمعدوم، ووصفه بضد صفات الكمال، وهو الجهل والعجز لربهم حين جوزوا وأخلوه عن المماسة والمباينة، مع قولهم بأن هذا ممتنع في الوجود غيره،
[هكذا في المطبوع، والذي يظهر لي أن صوابه (لغيره)، أي أن هؤلاء جوزوا على الله أن لا يكون مماسا للعالم ولا مباينا له، وأما غيره فهم يعترفون أن هذا محالا في حقه، فلما قضوا على الله تعالى بالمحال لزمهم ما لزمهم من الباطل، والله أعلم]
ففرقوا بين الواجب والممكن في الخلو عن النقيضين من جهة المعنى، حيث جعلوه ثابتا لهذا [أي لله تعالى] منتفيا عن هذا [أي عن غيره]، فلزمهم مثل ذلك في نظائره،
وهذه حجج قولية من أجود المقاييس العقلية لمن فهمها، وهذا لأن كون الشيء القائم بنفسه غير مماس لغيره، ولا مباين له، لمَّا كان ممتنعا في بديهة العقل –وادعى الجهمي إمكان ذلك في حق الله تعالى- لزمه أن يجوِّز كلَّ الممتنعات التي تناظره" اهـ.