إذن العلمانية هي أقصى درجات التخلف العقيدي، والتي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى .. التخلف العلمي، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الحربي، والتخلف الفكري والثقافي ..
يقول البعض من العلمانيين: دعونا بالله من حديث العقيدة. تعالوا ننظر إلى الواقع. تعالوا إلى ملايين الأفواه المفتوحة والمعدات الجائعة .. ابحثوا معنا عن حلول عملية للمشاكل الاقتصادية التي يعانيها العالم الإسلامي في تخلفه المزري وفقره المدقع وكثرة سكانه وقلة موارده ..
ونقول: نعم. ابحثوا. ما زلتم تبحثون منذ قرن كامل أو يزيد فبأي شيئ خرجتم؟
أما نحن فنؤكد أن أي جهد يبذل في سبيل الخروج مما نحن فيه دون رد الناس إلى المنهج الرباني، سيظل كالأناء المملوء بالثقوب، كلما حاولنا ملأه عاد إلى الفراغ ..
كيف لا ونحن نترك الطريق الصحيح لتحقيق التقدم وهو منهاج الله الذي ارتضاه لحكم الحياة، ونلهث وراء الرأسمالية تارة، والماركسية تارة، والاشتراكية تارة .. ونرفض أن نفهم أن هذه الأيدلوجيات الجاهلية تعجز عن الخروج بالأمة من التخلف، وأنها في الحقيقة سراب خادع ..
إن العلمانية لم تحل مشاكل الأمة، بل زادت هذه المشاكل تعقيداً وحدةً، فضلاً عن المزيد من الهوان والذل والضياع والتخلف .. وإنها لحماقة أن يستزيد الإنسان من السم ويتوهم أنه مقبل على الشفاء .. ولذلك فلا بد من رفض هذا السم .. رفض العلمانية .. التي هي السبب الأول في التخلف ..
والعلمانية كما قلنا آنفاً هي تخلف عقيدي، بل هي أقصى درجات التخلف العقيدي وهذا التخلف العقيدي يؤدي إلى تخلف اقتصادي، والتخلف الاقتصادي يؤدي إلى الفقر والاحتياج، والاحتياج يؤدي إلى التبعية .. وفي ظل التبعية تزداد المشاكل تعقيداً وتهبط عملات البلاد إلى الحضيض، وتثقل الديون، ويزداد الجوع والاحتياج، وهذا الاحتياج يولد التبعية مرة أخرى .. وهكذا تدور الأمة في حلقة مفرغة، وتصبح كالذي يخرج من حفرة ليقع في أكبر منها .. حتى يقع في الحفرة التي ليس منها خلاص!!.
فهل نظل نقبل العلمانية حتى نقع في هذه الحفرة التي لا خلاص منها، أم نرفض هذه العلمانية لننقذ أمتنا من التخلف والتبعية، ونخرج بها إلى التقدم والريادة؟
4 - حكم الأراذل والعملاء:
لكل أمة من الأمم ثوابت تعد هي القاعدة الأساسية لبناء الأمة، وفي طليعة هذه الثوابت تأتي الهوية باعتبارها التي تتمركز حوله بقية الثوابت، والذي يستقطب حوله أفراد الأمة .. فأي أمة هي بنيان يتجمع فيه الأفراد حول (هوية) ثابتة، فإذا فقدت الهوية، تفككت الأمة وضاع الأفراد .. بل وماتت الأمة وأصبحت مطمعاً للآخرين، وتداعى عليها الأعداء.
والتاريخ يثبت أن أية أمة من الأمم تنطلق في دربها الحضاري من مجموعة الأفكار التي تمثل هويتها .. بل إن أية أمة لا توصف بأنها أمة إلا إذا كانت ذات (هوية) واضحة ومتميزة ..
فماذا فعلت العلمانية بهوية أمتنا؟
لقد جاءت العلمانية بتنحية شرعية الله عن الحياة، فألقت الأمة وراء الحاجز الذي ظلت قروناً طويلة تستند إليه لتحافظ على هويتها كأمة ..
وجاءت العلمانية بإثارة النعرات القومية، فلم يصبح الإسلام هو أساس الولاء والبراء وإنما أصبح الجنس أو الوطن هو أساس الموالاة والمعاداة، فتفرقت الأمة، ولم يصبح الإسلام هو المهيمن على توجيه حركتها .. وبذلك جردت الأمة من (هويتها) الإسلامية، وطرحت عليها الهوية الوطنية كبديل لها ..
ولا شك أن الهوية الوطنية في المجتمعات الإسلامية هي في حقيقتها (فراغ اجتماعي) وأي أمة إذا حدث فيها فراغ اجتماعي، حدثت فيها ظواهر (اغتراب) .. وفقدان (انتماء)، وهذا هو ما حدث في ظل حكم العلمانية، وصلنا إلى المعادلة الصعبة ـ وطن بلا مواطنين، ومواطنون بلا وطن ـ وفقد أفراد الأمة الانتماء للأمة وانعزل كل فرد في داخل نفسه، وعاش همه الفردي ..
وأصبح العقلاء والحكماء من الأمة غير قادرين على التأثير لفقدهم مساندة الأمة، وصارت الكلمة للأراذل، وصار الحكم للسفهاء، وإذا حكم الأراذل فهو الفساد العريض، والجهود الضائعة، واستنزاف الطاقات، واعتقال العقول ..
¥