· جمع الله لنا حسنا في التصوير الظاهر والباطن , فأما الظاهر فهذا التصوير الشكل الذي نراه في أحسن هيئة من جمال الوجه وحسن المنظر , ووضع كل عضو في مكان اللائق به فلم يقلب في شيء من هذه الأعضاء ولم ينكسها , وأما جمال الباطن فيما خص الله به هذا الإنسان وحباه من العقل الذي يفكر به , وميزه بالأدب والأخلاق.
- جاء أيضا في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) والخالق هو المقدر في هذه الآية , والبارئ هو الذي أوجد ما قدر على وفق تقديره فأبرزه في الخارج وأوجده , وأما التصوير فهو أن الله أعطاه هيئة مناسبة وشكلا لائقا به.
- الآية الأخيرة هي قوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) في سورة الانفطار , والمعنى: أن الله تعالى يركب هذا المخلوق في أي صورة يختارها على حسب ما تقتضيه حكمته جل وعلا.
· بهذا يتبين أن التصوير في هذه الآيات الست كلها يدور حول معنى واحد وهو التخطيط والتشكيل وإعطاء الإنسان هذه الصورة الظاهرة مع المعنى الحسن الباطن من الأخلاق الكريمة والمعاني الطيبة.
· ورد في كتاب الله عز وجل إضافة التصوير إلى الله تبارك وتعالى بغير لفظه يعني بألفاظ أخرى ومن ذلك:
- قوله عن النطفة التي يخلق منها الإنسان والعلقة والمضغة قال: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) يعني أن هذه المضغة التي هي قطعة من لحم بقدر ما يمضغه هذا الإنسان , (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) السلف لهم أقاويل كثيرة في معناها ومن أقاويلهم الشاهد هنا:
(مخلقة) أي مصورة واضحة المعالم , (غير مخلقة) أي التي لم يظهر فيها التصوير والتخطيط والتشكيل , ونحن نعلم أن هذه المضغة إذا مضى عليها ثمانون يوما أنه يبدأ بعد ذلك فيها التخطيط والتشكيل فالعيون تكون نقط واليد والرجل وما شابه ذلك هي عبارة عن خطوط ثم بعد ذلك يبدأ تميز أعضاء الإنسان أكثر وتنفصل هذه الأعضاء فتكون اليد منفردة كما ترون ثم بعد ذلك يكتمل خلقه على وفق ما أراد الله عز وجل.
- ومن هذه الآيات قوله تعالى: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) ومما قيل في معناها أي: فصورنا فنعم المصورون.
- ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) فقد قال بعض السلف (فقدر فهدى) أي الذي صور صورا حسنه ثم هدى هذه المخلوقات المصورة إلى ما يصلحها وما يكون فيه بقاؤها وقوامها وما يكون سببا لمجانبتها للمضار.
- ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فكثير من السلف يقولون أي أنه خلق في أحسن صورة وفي أتم شكل.
- وكذلك قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) فبعض أهل العلم يقولون في معناه (فإذا سويته) أي صورته وجعلته على صورة البشر من الطين ثم بعد ذلك نفخت فيه فصار إنسانا فيه الروح , ومعلوم أن الله قد أخذ قبضة من طين الأرض ثم بُلّ هذا التراب بالماء فصار طينا , ثم ترك مدة فصار حمأَ (يعني طينا متغيرا يميل إلى السواد وفيه رائحة متغيرة) ثم بعد ذلك صوره الله عزوجل وشكله إلى هيئة إنسان ثم ترك فصار فخارا لما جف , هذه أطوار الإنسان التي أخبرنا الله عزوجل عنها في القرآن الكريم وبعد ذلك نفخ الله به الروح.
· إذا عرفت يا عبدالله أن الله عز وجل هو المصور فإن ذلك يؤثر في سلوكك وفي قلبك وفي عملك آثارا لا تخفى , ومن هذه الآثار:
1 - أن العبد لا يجترئ على الله عزوجل فيضاهئ بخلقه فيصور الصور التي حرم الله عزوجل تصويرها , وقد أخرج الشيخان من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم) , وجاء أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها المخرج في الصحيحين قالت: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الستارة تلون وجهة وقال يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهؤون بخلق الله , قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين) والسهوة هي الصفة تكون بين يدي البيت وثيل هي الطاق النافذ في الحائظ أي هي النافذة , ومعلوم أن الذي يكون على الستار شيئا من قبيل الرسم ولا يكون من
¥